مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن محمد (القسم الأول)،

القاسم بن محمد بن علي (المتوفى: 1029 هـ)

[قول بعض الفقهاء بعدم جواز الاجتهاد والرد عليهم]

صفحة 68 - الجزء 1

  يهدي السبيل، وقد تواتر من السنة ما يدل على أنه لا تخلو الأعصار من المجتهدين، قال صلى الله عليه وآله: «إني تارك فيكم ...» الخبر إلى قوله: «لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض» ونحو ذلك كثير.

  وقال علي كرم الله وجهه في الجنة في كلامه لكميل بن زياد⁣(⁣١): (اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة، إما ظاهراً مشهوراً، أو خاملاً مغموراً، لئلا تبطل حجج الله وبيناته، وكم ذا! وأين أولئك؟ أولئك والله الأقلون عدداً، والأعظمون قدراً، يحفظ الله حججه وبيناته بهم حتى يودعها نظراءهم ...)⁣(⁣٢) إلى آخر كلامه #.

  وذهب أئمة العترة $، والمعتزلة وغيرهم إلى مثل ما ذكرته، إلا الإمام يحيى [بن حمزة]⁣(⁣٣) # فإنه قال: (يجوز خلو الزمان من المجتهد)، وإلى مثل قوله ذهب الأشاعرة⁣(⁣٤) وأكثر الفقهاء، وهم محجوجون بما تقدم ونحوه من الحجج، ولأن ذلك يؤدي إلى تزلزل قواعد الدين، وإلى إجماع الأمة في ذلك العصر على الجهل بمعرفة كتاب الله وسنة رسوله، وأدلة ثبوت الإجماع تمنع من ذلك؛ لأن الجهل بمعرفة كتاب الله وسنة رسوله ضلالٌ، بدليل قوله تعالى: {وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى}⁣[الضحى: ٧]، أي جاهلاً لشرائع الله سبحانه، وقوله تعالى حاكياً عن موسى #: {قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِينَ}⁣[الشعراء: ٢٠]


(١) هو كميل بن زياد بن نهيك بن الهيثم بن سعد بن مالك النخعي، الصهباني، الكوفي، وقيل: كميل بن عبد الله، وقيل: كميل بن عبد الرحمن. أحد أصحاب أمير المؤمنين # وأحد العباد والزهاد، شهد معه صفين، وكان شريفاً مطاعاً في قومه. (معجم رجال الاعتبار ص ٣٥٣).

(٢) شرح نهج البلاغة ١٨/ ٣٤٧.

(٣) سقط من (أ)، وقد سبقت ترجمته.

(٤) هم أصحاب أبي الحسن عمرو بن أبي بشر الأشعري، صرّحوا بجواز تكليف ما لا يطاق، وأن الله تعالى مسموع وقدم قدرته وعلمه وحياته، وتجويز إثابة الكفار وتعذيب الأنبياء. (الملل والنحل ص ٢٧).