باب ما يفسد النكاح وما يجب فيه الخيار
  وقد قدمنا في باب الأولياء ما يدل على أن هذه الأشياء أمارات البلوغ من خبر ابن عُمَر أن رسول الله ÷ لم يُجِزْهُ في المُقَاتِلة لَمَّا كان ابنَ أربع عشرة سنة، فلمّا بلغ خمس عشرة سنةً أجازه، ومِنْ خَبَرِ بني قريظة أنهم عُرِضُوا عليه، فمن كان قد احتلم منهم أو نبتت عانتُه قتلَه، ومن لم يحتلم ولا نبتت عانَتُهُ لم يقتله، ولا خلافَ أن الاحتلامَ أمارةٌ لبلوغِ الرجال، والحيضَ أمارةٌ لبلوغِ النساءِ.
  مسألة: (ومن كان له الخيار فإنه متى قال قولاً أو فَعَلَ فِعْلاً يدلُّ على الرضا بطل خيارُهُ، نحو أن يَطَأَ المعيبةَ بعد علمه بعيبها، أو تعلم البالغة بعقد النكاح عليها فتطالب بالمهر، أو سلمه الزوجُ أو الوليُّ إليها فقبضته وما أشبه ذلك، فإن ذلك يُبطِل خيارَها).
  والأصل في ذلك أنه مقيسٌ على التصرف في المبيع الذي فيه عيبٌ، ولا خلاف أنّ وَطْءَ المشتري للجارية بعد علمه بعيبها يكون رضىً منه بعيبها، وأصله أن الوطءَ لا يجوز إلا في ملكه هاهُنا؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ٢٩ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}[المعارج: ٢٩ - ٣٠]، فإذا وطئَها فقد قَرَّرَ مِلْكَهُ فلا يجوز له رَدُّها، وكذلك سائر وجوه المنافِع: من لباسِ الثوبِ، وركوبِ الدابة بعد علمه بما في ذلك من العيب؛ فإنه يكون رضاً به، وكذلك الوجه في سائر ما ذكرنا؛ لأن كل ذلك تصرفٌ فلا يصح إلا بعد صِحَّةِ ما تقدمه من العقدِ، فكان مقتضياً لصحة العقد، وكاشفاً عن رضا المتصرف بذلك العقد، يزيد ذلك وضوحاً مارُوِيَ عن أمير المؤمنين # في قصة سيِّدِ العبد الذي شكا إليه أن عبدهَ تزوَّجَ بغير إذنه، فجعل # الأمرَ إلى السيِّد في الرضا والفسخ، فقال السيِّدُ لعبده: