باب القول في الفراش ولحوق الولد بصاحبه
  والأصل في الفراش ما روي عن النبي ÷ أنه قال: «الوَلدُ لِلفِرَاشِ، ولِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ»(١)، والعاهرُهو الزاني، والفراش هوالوطء الذي يقع على وجه لا يُستحق به الْحَدُّ، ولا شك في وجوب المهر به. أما في الوجه الأول فظاهر؛ لأن النكاح صحيح؛ فالمهر يجب فيه بالعقد قبل الوطء؛ فهو مع الوطء آكد وجوباً. وأما في الوجه الثاني فلما روي عن النبي ÷ أنه قال: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُبِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا». ولحوق النسب هاهنا يفتقر إلى ثلاثة أمور: أحدها: تَقَدُّمُ العقد. والثاني: إمكان الوطء. والثالث: مضي أقل مدة الحمل: أما تقدم العقد في ذلك فظاهر. وأما إمكان الوطء فلا بد منه؛ لأن إلحاق الولد بدون إمكان الوطء مستحيل، فلا يجوز الحكم به، كالذي يعقد على امرأة بحضرة الحاكم ثم يطلقها في الحال، ثم تأتي بولد بعد ذلك، فإن من المعلوم أنه لم يكن من هذا الزوج بعد ذلك العقد، كما لو عُقِدَ لطفلِ بامرأة بالغة وجاءت بولد لستة أشهر؛ فإنه لا يلحق به؛ وقام في هذين الوجهين إمكانُ الوطءِ مَقَامَ الوطء؛ لأن العقدَ ثابتٌ فيهما، وهو في الأول صحيح بالإجماع، والثاني في صحته خلاف بين الأمة، فَتَمَيَّزَا على الوجهين الأخيرين بمزية القوة. وأما مضي ستة أشهر؛ فلأنه أقل مدة الحمل؛ دليله قوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}[الأحقاف: ١٥]، ثم قال سبحانه: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}[البقرة: ٢٣٣]، فَحكَمَ سبحانه بأن
(١) شرح التجريد ٣/ ١٩٨، وأصول الأحكام، والشفاء ٢/ ٣٥٧، والبخاري رقم ١٩٤٨، ومسلم رقم ١٤٥٨، والترمذي رقم ١١٥٧، وأبو داود رقم ٢٢٧٣.