شرح نكت العبادات،

جعفر بن أحمد بن عبد السلام (المتوفى: 573 هـ)

باب القول في البيوع

صفحة 195 - الجزء 1

  مع الجنس في الموزونات؛ وذلك لما روي عن النبي ÷ أنه قُدِّمَ إليه تمر من خيبر فقال: «أَكُلُّ تَمْرِخَيْبَرَهَكَذَا»؟ فقالوا: لا، والله يا رسول الله إنا نشتري الصاع بالصاعين، والصاعين بالثلاثة. فقال رسول الله ÷: «لاَ تَفْعَلُوا، وَلَكِنْ بِيْعُوا مِثْلاً بِمِثْلٍ، أَوْ بِيْعُوا هَذَا واشتَرُوا بِثَمَنِهِ مِن هَذَا، وَكَذَلِكَ الْمِيرَانُ»⁣(⁣١)، ومعلوم أنه لم يُرِدِ النَّهيَ عن بيع المكيال نفسه - وهي الآلة التي يكال بها - بمكيالين، ولا نفس الميزان بميزانين؛ لأن ذلك جائز بالإجماع، إنما أراد الأشياء المكيلة والموزونة، وكذلك قول النبي ÷: «لا يَصِحُّ صَاعَانِ بِصَاعٍ، ولا دِرهَمَانِ بِدِرْهَمٍ»⁣(⁣٢)؛ فاقتضى ذلك تحريمَ بيع المكيلات متفاضلةً؛ فيدخل به كلُّ مكيل: من مأكول وغير مأكول، كالجص والنورة وما جرى مجراهما، وكذلك اقتضى تحريم بيع الموزونات متفاضلة، سواء كانت من الذهب والفضة أوغيرِهما، كالحديد والنحاس، وما جرى مجراهما فيصح التعليل في المكيلات بالكيل، وفي الموزونات بالوزن؛ ولأن العلة هي ما تُؤَثَّرُ في الحكم، والتأثير قد ثبت بزيادة الكيل؛ فإنها متى وجدت ثبت الربي والتحريم، ومتي عدمت لم يثبت الربى والتحريم؛ فصح التعليل بذلك. وإنما اعتبرنا الجنس؛ لأنه إذا اختلف الجنسان جاز التفاضُلُ بينهما؛ لما تقدم من الدلالة، وخرج الذهبُ والفِضةُ من جملة الموزونات؛ فجاز بيع سائر الموزونات بهما نقداً ونسيئةً؛ بدلالة الإجماع؛ فإنهم لم يختلفوا في جواز ذلك.


(١) شرح التجريد ٤/ ٥١، وأصول الأحكام، والشفاء ٢/ ٤٢٩، والبخاري رقم ٦٩١٨، ومسلم رقم ١٥٩٣، والبيهقي ٥/ ٢٨٥.

(٢) شرح التجريد ٤/ ٥١، وأصول الأحكام، والشفاء ٢/ ٤٢٨، والاعتصام ٤/ ٦٩، والبيهقي بلفظ مقارب ٥/ ٢٧٦.