باب القول في البيوع
  بالأبدان أو بالأقوال؛ فجازلمشتريها التصرف فيها بالأكل وغيره قبل التفرق بالأبدان، ويجوز أن يُسَمَّى التفرق بالأقوال تفرقاً، قال الله سبحانه وتعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ٤}[البينة: ٤]، وقال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا}[آل عمران: ١٠٥]، والمراد تفرقهم في الأقوال والمذاهب وإن كانوا مجتمعين بالأبدان، فيحمل ما روي عن النبي ÷ من قوله: «البَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا»(١) على التفرق بالأقوال لما تقدم من الدلالة.
  مسألة: (ومن اشترى شيئاً لم يره فله الخيار متي رآه). أما صحة الشراء بدون الرؤية؛ فلقول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}[البقرة: ٢٧٥]، وقوله: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}[النساء: ٢٩]، ولم يفصل بين ما رآه وبين ما لم يره.
  وأما ثبوت الخيار متي رآه فلما روي عن النبي ÷ أنه قال: «لاَ تَلَقَّوُا الْجَلَبَ، فَمَنْ تَلَقَّى وَاشْتَرَى شَيْئاً فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِذَا أَتَى السُّوقَ»(٢)، ولا وجه لخياره إلا خيارالرؤية؛ لأن العادة جاريةٌ بأن المشتريَ للجَلَبِ في الطريق يشتريه في أوعيته قبل أن يراه فيكون له الخيار إذا رآه.
(١) الأمالي ٢/ ١٢٥٥، وشرح التجريد ٤/ ٧٣، والشفاء ٢/ ٤٣٨، والبخاري رقم ٢٠٠٢، وأبو داود رقم ٤٥٩، وشرح معاني الآثار ٤/ ١٦.
(٢) شرح التجريد ٤/ ٧١، والشفاء ٢/ ٤١٨، ومسلم ٣/ ١١٥٧ رقم ١٥١٩ بلفظ: «فإذا أتي سيده السوق فهو بالخيار»، ومثله البيهقي ٥/ ٣٤٨، والنسائي ٧/ ٤٥٠١.