شرح نكت العبادات،

جعفر بن أحمد بن عبد السلام (المتوفى: 573 هـ)

باب القول في البيوع

صفحة 205 - الجزء 1

  بالأبدان أو بالأقوال؛ فجازلمشتريها التصرف فيها بالأكل وغيره قبل التفرق بالأبدان، ويجوز أن يُسَمَّى التفرق بالأقوال تفرقاً، قال الله سبحانه وتعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ٤}⁣[البينة: ٤]، وقال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا}⁣[آل عمران: ١٠٥]، والمراد تفرقهم في الأقوال والمذاهب وإن كانوا مجتمعين بالأبدان، فيحمل ما روي عن النبي ÷ من قوله: «البَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا»⁣(⁣١) على التفرق بالأقوال لما تقدم من الدلالة.

  مسألة: (ومن اشترى شيئاً لم يره فله الخيار متي رآه). أما صحة الشراء بدون الرؤية؛ فلقول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}⁣[البقرة: ٢٧٥]، وقوله: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}⁣[النساء: ٢٩]، ولم يفصل بين ما رآه وبين ما لم يره.

  وأما ثبوت الخيار متي رآه فلما روي عن النبي ÷ أنه قال: «لاَ تَلَقَّوُا الْجَلَبَ، فَمَنْ تَلَقَّى وَاشْتَرَى شَيْئاً فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِذَا أَتَى السُّوقَ»⁣(⁣٢)، ولا وجه لخياره إلا خيارالرؤية؛ لأن العادة جاريةٌ بأن المشتريَ للجَلَبِ في الطريق يشتريه في أوعيته قبل أن يراه فيكون له الخيار إذا رآه.


(١) الأمالي ٢/ ١٢٥٥، وشرح التجريد ٤/ ٧٣، والشفاء ٢/ ٤٣٨، والبخاري رقم ٢٠٠٢، وأبو داود رقم ٤٥٩، وشرح معاني الآثار ٤/ ١٦.

(٢) شرح التجريد ٤/ ٧١، والشفاء ٢/ ٤١٨، ومسلم ٣/ ١١٥٧ رقم ١٥١٩ بلفظ: «فإذا أتي سيده السوق فهو بالخيار»، ومثله البيهقي ٥/ ٣٤٨، والنسائي ٧/ ٤٥٠١.