شرح نكت العبادات،

جعفر بن أحمد بن عبد السلام (المتوفى: 573 هـ)

باب الشفعة

صفحة 211 - الجزء 1

  مسألة: (وهي على هذا الترتيبِ، لا يستحق الأبعد منها شيئاً مع من هو أقرب منه). أما تقدم الشريك في أصل المبيع على سائرهم فالأظهر أنه إجماع، ولا خلاف يظهر بين من أثبت الشفعة بالجوار أن الشريك في الشرب والشريك في الطريق أولى منه، وإنما الخلاف في شركة الشرب وشركة الطريق: فعندنا أن شريك الشرب أولى بالشفعة؛ لأنه أخص من الشركة في الطريق؛ ولهذا يجوز للشريك في الطريق أن يفتح باباً آخر، ولا يجوز للشريك في الشرب أن يفتح مجرىً ثانياً؛ لما لشركائه في ذلك من حق المنع له؛ فكانت شركته آكد؛ ولأنها مشاركة في وجهين: أحدهما: في الماء، والثاني: في حق المجرى، بخلاف شركة الطريق؛ فإنها في حق الاستطراق لا غير، فوجب تقديم شركة الشرب عليها؛ ولأن الشفعة وجبت لدفع الضرر، وهو يتفاوت بحسب تفاوت هذه الشرك، والجوار بعد ذلك كلِه؛ لأن ضرره أقل.

  مسألة: (وعلى الشفيع مثل الثمن إن كان من ذوات الأمثال، أو قيمته إن كان من ذوات القيم، كالعروض والحيوان)، وهذا مما لا خلاف فيه؛ وذلك لأن حال الشفيع مع المشتري كحال الموكِّل مع الوكيل، فكما أنَّ الوكيل إذا دفع شيئاً من ثمن المبيع من ماله لزم موكلَه مثلُ ذلك الشيء إن كان من ذوات الأمثال، أو قيمته إن كان من ذوات القيم، كذلك هذا.

  مسألة: (ويجب أن يُطالِبَ بالشفعةِ وقت علمه بالبيع فإن فرط في ذلك قليلاً أو كثيراً بطلت شفعتُهُ)؛ وذلك لما روي عن النبي ÷ أنه قال: «الشُّفعَةُ كَنَشْطَةِ عِقَالٍ، فَإِنْ قَيَّدَهَا مَكَانَه ثَبَتَ حَقُّهُ، وَإلِاَّ فَاللَّوْمُ عَلَيْهِ»⁣(⁣١)،


(١) شرح التجريد ٤/ ١٤٢، وأصول الأحكام، والشفاء ٣/ ١١، والاعتصام ٤/ ١٣٠، وتلخيص الحبير ٣/ ٥٦، وابن ماجه رقم ٢٥٠٠ بلفظ: «الشفعة كحل العقال»، وكذلك البيهقي ٦/ ١٠٨، و نصب الراية ٤/ ١٧٦.