باب الهبات
  ولم يُعتبر القبضُ في كونها هبةً؛ ولأنها عقد تمليك يتضمن الإيجابَ والقبولَ، فلا تفتقر إلى القبض كالبيع والإجارة.
  مسألة: (وإذا صحت فهي ضربان: هبة على عوض، وهبة على غير عوض، فإذا كانت على عوض فهي في معنى البيع، ويعتبر فيها من الشروط ما يعتبر في البيع). والأصل في ثبوت الهبة على العوض ما روي عن النبي ÷ أنه قال: «الوَاهِبُ أَوْلَى بِهِبَتِهِ مَا لَم يُثَبْ»(١). والمراد بالإثابة تسليمُ العوض؛ ولأنها عقد تبرع فصحت مع شرط العِوَضِ كالعتق. وإنما قلنا: إنها تكون في معنى البيع؛ لأنها تكون عقد معاوضة بمال، فوجب أن تجري مجرى البيع في كون العوض معلوماً، وغير ذلك من شروط البيع.
  مسألة: (وإذا كانت على غيرعوض فهي ضربان: أحدهما: تصح فيه الرِّجْعَةُ: وهي أن تكون هبةً لأجنبي، لغير وجه الله سبحانه، أو لولد صغير؛ فإنه يصح الرجوعُ في ذلك إذا كان الموهوب قائماً بعينه، والملك الثابت بالهبة باقياً لم ينتقل). أما صحة الرجوع فيها إذا كانت كذلك؛ فالأصل فيه ما روي عن النبي ÷ أنه قال: «مَثَلُ الَّذِي يَسْتَرِدُّ مَا وَهَبَ كَمَثَلِ الكَلْبِ يَقِيْءُ قَيْئاً فَيَأكُلُ منه، فَإِذَا استَردَّ الْوَاهِبُ فَلْيُوقِفْ وَلْيَعْرِفْ بِمَا اسْتَرَدَّ ثُمَّ لْيَدْفَعْ إِلَيْهِ مَا وَهَبَ»(٢)؛ فاقتضى ذلك صحةَ الرجوع في الهبة مع الكراهة له من حيث شبهه بفعلٍ كَرِيهٍ؛ وإن لم يكن حراماً على فاعله؛ وهو أكل الكلب لقيئه. وإنما
(١) شرح التجريد ٤/ ٢٤٧، والشفاء ٣/ ٦١، وأصول الأحكام، وابن ماجه رقم ٢٣٨٧، والبيهقي ٦/ ١٨١، والدار قطني ٣/ ٤٤.
(٢) شرح التجريد ٤/، ٢٥٥ وأصول الأحكام، وأبو داود رقم ٣٥٤٠، والبيهقي ٦/ ١٨١.