باب الهبات
  قلنا: إذا كان الموهوبُ قائماً بعينه؛ لأن حقَّ الرجوع إنما يثبت له في ما وَهَبَه لا في غيره، فإذا ذهبت عينُه بطل حقُّ الرجوع. قلنا: والملك الثابت بالهبة باقياً لم ينتقل؛ لأن حق الرجوع إنماُ يرادُ لنقض الملك الذي ثَبَتَ بالهبة، فإذا بطل ذلك الْمِلْكُ بَطَلَ حَقُّ الرجوعِ، سواء عاد الموهوبُ إلى ملك الموهوب له بعد انتقاله عنه أو لم يَعُدْ وصار لغيره، وكذلك إذا استهلكه الموهوبُ له بخلط أو زيادة متصلة - كالسِّمَنِ ونحوه - بطل حق الرجوع؛ لتعذر الوصول إلى عين ما كان له.
  مسألة: (والثاني: لا يصح فيه الرجعة، وهو ما كان لسائرِ الأقاربِ سوى الأولاد الصِّغَارِ، أو وقعت الهِبَةُ من أجنبي لوجه الله سبحانه(١))، أو صلة الرحم - لم يجزالرجوع فيها، والأظهر أنه إجماع. ووجه ذلك أنها تكون في معنى الصدقة، ولا خلاف أنَّ الرجوعَ في الصدقة لا يجوز، وإن كانت تطوعاً؛ ولأنها تتضمن التعويضَ من حيث إنها يُطْلَبُ بها الثواب، وقد صار في حكم العوض الحاصل لمكان الاستحقاق، فتصير كالهبة إذا قُبِضَ عِوَضُهَا؛ فإنه لا يجوز له الرجوعُ فيها. وقد روي عن أمير المؤمنين # أنه قال: قال رسول الله ÷: «ما مِنْ صَدَقَةٍ أَعْظَمُ أَجْراً مِنْ صَدَقَةٍ عَلَى ذِي رَحِمٍ أَوْ أَخٍ مُسْلِمٍ»، قالوا: وكيف الصدقة عليهم؟ قال: «صِلاَتُكُمْ إِيَّاهُمْ بِمَنِزلَةِ الصَّدَقَةِ عِنْدَ اللهِ ø»(٢). قلنا: سوى الأولاد الصغار؛ لأن الرجعة تصح في ما وَهَبَه الأبُ لولده الصغير؛ وذلك لما روي أن بشيرَ بن سعد(٣)
(١) عند الحنفية أنه إذا وهب هبة الأجنبي صح له الرجوع فيها، وعند الشافعية أنه لا يصح له الرجوع.
(٢) البيهقي ٦/ ١٨٢، وشرح معاني الآثار ٤/ ٨١، وموطأ مالك ٢/ ٧٥٤ رقم ١٤٤٠ بألفاظ مقاربة.
(٣) ابن ثعلبة الأنصاري، يكنى أبا النعمان، شهد العقبة الثانية، وبدراً، وأُحداً، والمشاهد بعدها، يقال: إنه =