باب الهدية والإباحة
  مسألة: (وكذلك الإباحةُ قد تَستَغْنِي عن لفظٍ، وقد تكون باللفظ، نحو أن يقولَ: قد أبحتُ لك كذا من مالي، وقد تكون بغير لفظٍ كتقديم الطعام إلى الضيف وما جرى هذا المجرى). وأصل ذلك قول النبي ÷: «لا يَحِلُّ مالُ امْرِئٍ مُسلِمٍ إِلاَّ بِطِيْبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ». وكل ما أباحه الإنسان بلفظ أو بغير لفظ فقد دخل في ما طابت به نفسُه فجاز تناولُه. وقد روي عنه ÷ أنه ضَيَّفَ وتَضَيَّفَ؛ فدل على جواز الإباحة بذلك؛ ولأن أعمال المسلمين جاريةٌ بذلك لم يتنا كروا فيه.
  مسالة: (ويحرم من الهدايا رُشَا الحكام، والهدايا إلى وُلاة الإمام، والهدية إلى من امتنع من القيام بما يلزمه والكف عما يحرم عليه إلا بهدية تهدى إليه). والأصل في ذلك ما روي عن النبي ÷ أنه قال: «ما بَالُ أقوامٍ نَبْعَثُهمْ فَيجِيؤُنَنَا فَيَقُولُونَ: هذا لِي وَهَذَا لَكَ. أَفَلاَ جَلَسَ في بَيْتِ أُمِّهِ»(١) (٢). والمراد به الولاة الذين كان يبعثهم لجمع الحقوق، فأنكرعليهم قبولَ الهدايا لمكان الولاية التي كانت لهم. وروي عن النبي ÷ أنه قال: «هَدَايَا الأُمَرَاءِ غُلُولٌ»(٣). وروي عن أمير المؤمنين # أنه قال: «هدايا الأمراء غلول» ... والغلول: هو ما يخون فيه صاحبه من الغنيمة أو من بيت المال؛ وهذا يقتضي تحريمَ الهدايا إلى كل والٍ؛ لمكان ولايته لأمير وقاضٍ ومن جرى مجراهما، ويوجب في كل ما صار إليهم بالهدية أن يُصْرَفَ إلى بيت المال؛ لأنه مُلِكَ من وجه محظور. وروي عن النبي ÷ أنه قال: «يَا عَلِيُّ، لا تَقْبَلْ هَدِيَّةَ
(١) في بيت أبيه في (ب، ج).
(٢) معناه في البخاري رقم ٦٥٧٨، ومسلم رقم ١٨٣٢، وأبي داود رقم ٢٩٤٦.
(٣) شرح التجريد ٦/ ٧٣، والشفاء ٣/ ٢٩٥ - ٢٩٦، والاعتصام ٥/ ٤٥، والبيهقي ١٠/ ١٣٨، وفتح الباري رقم ٣٩٩٣.