باب الأيمان
  مسألة: (والأيمانُ تُحْمَلُ على نِيَّةِ الحالف إن كان اللفظ محتملاً لما نواه بحقيقته أو مجازه: فالحقيقة: أن يحلف أن لا لَقيَ الأَسَدَ، ويريد به السَّبُعَ المخصوصَ، والمجاز: أن يريدَ به الرَّجُل الشُّجَاعَ)؛ وذلك لأن النيَّةَ هي القصدُ، وهو الذي يقع به الفعل على وجه دون وجه، فإذا جاز وقوعُه على كل واحد من الوجهين، لم ينصرفْ إلى أحدهما دون الآخر إلا بالقصد؛ فلهذا قلنا: إن يمينه تُحمَلُ على ما نواه إذا كان محتملاً له؛ لأنه إذا لم يكن محتملاً له لم تُؤَثِّرُ النيةُ فيه، نحو أن يحلف لا لقي الأسدَ، ويريدُ به أن لا شَرِبَ الماءَ، فإن النيةَ لا تُؤَثِّرُ في ذلك، بل تكون هذه اليمين في حكم ما تَجَرَّدَ عن النية.
  مسألة: (فَإِنْ لَم تَكْن لَهُ نية صُرِفَ اللفظُ إلى ما يعتاده الحالف في عُرْفِهِ وعرف أهل ناحيته، كالذي يَحْلِفُ أن لا يأتيَ الغائطَ، فإنه يُصْرَفُ إلى قضاءِ الحاجَةِ المخصوصة، وإن لم يكن له عرفٌ في تلك اللفظة حُملت على صريح اللغة)؛ وذلك لأن اللفظ متي تَجْرَّدَ عن النية وجب حملُه على معناه الذي تفيده حقيقتُه. ولَمَّا كانت الحقيقةُ العرفيةُ أولى من اللُّغَوِية؛ لأنها أسبق منها إلى الإفهام فكانت أولى بالحمل عليها، ومتى لم يكن هناك عُرف يُوجِبُ صرفَ الخِطَابِ عن معناه اللغوي بل تكون اللفظةُ باقيةً على معناها الأصلي وجب حمل اللفظة على معناها الذي تفيده حقيقة اللغة.
  مثاله: من حلف أن لا يَخْرُجَ من المسجد أو لا شَرِبَ الماءَ فَإِنَّه إذا لم تكن له نيةٌ حُمِلَ قَصْدُهُ على ما تفيده هذه الألفاظ؛ لِمَا ذكرنا أن اللفظ يجب حمله على معناه الحقيقي الذي يسبق منه إلى الإفهام.