باب الإقرار
باب الإقرارِ
  مسألة: (إذا أقرَّ من هو جائز التصرف بحقٍ لغيرِهِ لَزِمَهُ ما أَقَرَّ به إذا كان مُبَيَّناً، فإن كان مجملاً طولِبَ بتفسيره). والأصل في ذلك قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ}[النساء: ١٣٥]. وشهادة المرء على نفسِهِ هي الإقرارُ، وروي عن النبي ÷ أنه رَجَمَ مَاعِزَ بنَ مالِكٍ حين أقرَّ بالزِّنَى(١) ... ولا خِلاَفَ بين المسلمين في أن الإقرارَ لازمٌ لمن أقرَّعلى نفسه، وإنما قلنا: إذا كان جائزَ التصرفِ. والمراد به أن يكونَ بالغاً عاقلاً حراًّ مختاراً غيرَ مكره؛ لأن الصبيَّ والمجنونَ لا يصح إقرارُهما؛ لزوال عقليهما، ولذلك رُفِعَ القلمُ عنهما، ودلَّ عليه قولُ النبي ÷: «رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حتَّى يَسْتَيقِظَ، وعَنِ الْمَجْنُونِ حتَّى يُفِيْقَ، وعَنِ الصَبيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ»(٢). وكذلك العبد لا يصح إقرارُه فيما يَرجِعُ إلى مولاه به ضمانٌ وغرامةٌ؛ لأنه إقرارٌ على غيره فلم يصح كالإقرارعلى الأجنبي. والمكره لا يثبت إقراره أيضاً؛ لما روي عن النبي ÷ من قوله: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ والنِّسيانُ وَمَا استُكْرِهُوا عَلَيْهِ». والْمُقَرُّبه المبيَّنُ: هو مثل أن يُقِرَّ بدنَانِيرَ معلومةٍ، أو دراهمَ معلومةٍ، أو غيرِ ذَلك من الحقوق الْمُعَيَّنة. والمجمل من ذلك مثل أن يقول: عليَّ لفلان شيء، أو مال. ولا يُبَيِّنُه بجنس ولا مقدار، فإنه
(١) الشفاء ٣/ ٢٢٣، وأصول الأحكام، والبخاري رقم ٦٤٣٨، وأبو داود رقم ٤٤٢٧، والبيهقي ١/ ١٢٣، والدار قطني ٣/ ١٢١ وابن خزيمه ١/ ٢٠ رقم ٣٠.
(٢) شرح التجريد ٥/ ٦٩، والشفاء ٣/ ٤٢٢، والاعتصام ٥/ ٢٤٩، والترمذي رقم ١٤٢٣، وأبو داود رقم ٤٣٩٨، وابن ماجه رقم ٢٠٤١.