باب الدعوى والبينة
  البَيِّنَةَ أو أبرأَه من دعواه؛ وذلك لأن إقامة البينة حق للمدعي، وكذلك الدعوى حق له أيضاً، فإذا أبطل ذلك أو أبرأه منه بطل كسائر حقوقه.
  مسألة: (وبينة الخارج أولى من بَيِّنَةِ مَن الشيءُ في يده). ومعناه أن من كان في يده شيء يَحُوزُهُ، فادَّعاه غيُرُه، وأقام البينةَ على ما ادعاه، وأقام من الشيء في يده البينةَ على أن الشيء له، فبينة الخارج أولى؛ وذلك لما روي عن النبي ÷ أن رجلاً من كِنْدَةَ(١) ورجلاً من حضرموت جاءا إليه فادعي الحضرمي أرضاً في يد الكندي. فقال الكندي: هي أرضي في يدي، أزرعُها لا حق لك فيها، فقال النبي ÷ للحضرمي: «أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟»، قال: لا. قال: «فَلَيْسَ لَكَ إِلاَّ يَمِيْنُهُ»(٢). فلما لم يجعل على الحائز إلا اليمين، دلَّ ذلك على أن بينتَه لا تُقْبَلُ على حال؛ لقوله: «لَيْسَ لَكَ إِلاَّ يَمِيْنُهُ».
  مسألة: (فإن كان الشيءُ في أيديهما جميعاً كان بينهما على سواء، وكذلك إن لم يكن في يد واحد منهما، فإنه يكون بينهما أيضاً)؛ وذلك لما روي أن رجلين تداعيا بعيراً، فأقام كلُّ واحد منهما شاهدين أنه له، فقسمه النبي ÷ بينهما، وقال: «هُوَ لَكُمَا، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا نِصْفُهُ»(٣). فصار ذلك أصلاً في كل ما تساوت فيه الدعوى والأيدي والبينة؛ لأن الخبرَ يدلُّ على أنهما كانا متساويين في الأحوال كِلِّها.
(١) اسم قبيلة يمنية. معجم البلدان ٤/.٤٨٢
(٢) شرح التجريد ٦/ ١٠٩، و الشفاء ٣/ ٢١٣، وأصول الأحكام، ومسلم رقم ١٣٩، والترمذي رقم ١٣٤٠، وأبو داود رقم ٣٢٤٥، والبيهقي ١٠/ ١٣٧، والدار قطني ٤/ ٢١١.
(٣) شرح التجريد ٦/ ١١٠، والشفاء ٣/ ٢١٤، وهو أصول الأحكام، ومعناه في البيهقي ١٠/ ٢٥٧.