باب التفليس والحجر
  باجتهاد منه؛ لما ظهر من الصحابة ¤ من أنهم كانوا يختلفون في المسائل الاجتهادية، ولا ينقض بعضُهم حكمَ بعضٍ، ولا ينقض حكمَ نفسِهِ إذا تغيَّر اجتهادُه، وذلك ظاهر من صنعهم، ولم يقع فيه مناكرة بينهم، فكان إجماعاً. وأما ما خالف الأدلةَ القاطعةَ، فإنه يجب نقضُه؛ لأنه استعمل الاجتهادَ في موضع لا يسوغ فيه؛ لأن شرطَ جوازِ الاجتهادِ أن لا يخالفه دليل قاطع، فإذا خالف بعض الأدلة كان فاسداً لا يتعلَّقُ به حكم، وذلك نحو أن يحكم بسقوط العصبة مع ذوي الأرحام أو ذوي السهام، فإنه يُنْقَضُ حُكْمُهُ؛ لمخالفته لإجماع الصحابة، وكذلك لو حكم مَن ينكر القياسَ بجواز بيع الأرز متفاضلاً، لوجب نقض حكمه؛ لأنه مبني على إنكار القياس، وقد أجمعت الصحابةُ على ثبوته وصحته.
  مسألة: (ويجوز القضاءُ على الغائبِ(١)، كما يجوز على الحاضر)؛ وذلك لقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}[المائدة: ٤٩]، وقوله: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ}[المائدة: ٤٢]، ولم يفصل بين غائب وحاضر.
بابُ التَّفْلِيسِ والحجر
  مسألة: (وإذا ادَّعى الغريمُ الإِفلاسَ، وظاهرُ حاله اليسارُ لم تُقْبَلْ دعواه إلا بالبينة، وإذا كان ظاهر حالِهِ الفَقْرَ، وادعى غرماؤُهِ يسارَه فعليهم البينة، وإن التبس حاله حبَسه الحاكِمُ حتى يتبينَ أمرُه، ومتى رأى الحاكمُ تَحْلِيفَهُ على إعساره حَلَّفَهُ). وإنما قلنا ذلك؛ لأن من ادَّعى خلاف الظاهر كانت عليه البينة، وعلى المنكر اليمين، كسائر الدعاوى. وإنما يكون ظاهره الإعسار
(١) وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يجوز القضاء على الغائب وبه قال أصحابه.