باب التفليس والحجر
  متى كان قد ثبت عند الحاكم إعسارُهُ فيما قَبْلُ بالبينة، ومتى لم يكن ثبت عند الحاكم ذلك، ثم ادَّعي الإعسارَ كان مدعياً لخلاف الظاهر؛ فلزمه إقامة البينة؛ لأن الظاهر من حال كل أحد الجِدَةُ والسُّتْرَةُ، وأنه لا يخلو عن مِلْكٍ يتقلب فيه، ولذلك كان الإفلاس نادراً في الناس. وقلنا: يحبسُه الحاكمُ عند التباسِ حاله إلى أن ينكشف له أمرُه حتى يعملَ بما يثبت عنده، والأصل في الحبس، ما روي عن النبي ÷ أنه حَبَسَ رجلاً أعتق شِقْصاً له في مملوك حتي باع غنيمةً له(١). وعن أمير المؤمنين # أنه كان يحبس الرجل إذا التوى على غريمه، فإذا تبين له إفلاسُه وحاجتُه، أخرجه حتى يستفيدَ مالاً، ويقولُ له: قد استفدت مالاً، فاقسمه بين غرمائك(٢)، وعن أمير المؤمنين # أنه كان يحبس في النفقة وفي الدين وفي القصاص وفي الحدود وفي جميع الحقوق(٣). وقلنا: يُحَلِّفُه الحاكمُ إذا رأى ذلك؛ لأنه وإن أقام البينة على إعساره، فالشهود يشهدون على ظاهر الحال، فإذا ادعى غرماؤُه أن له مالاً باطناً، وأنكر ذلك، حلَّفُه الحاكم لهم، كما في سائر الدعاوى التي ينكرها.
  مسألة: (وإن كان هذا الغريمُ قد اشتري سلعةً من إنسان، ووجدت قائمةً في يده، كان بائعُها أولى بها إن شاء(٤)، وإلا كان أسوةَ الغرماء)، وهذا إذا لم يكن قَبَضَ شيئاً من الثمن؛ وذلك لما روي عن النبي ÷ أنه قال: «إِذَا
(١) شرح التجريد ٦/ ١٨٠، والشفاء ٣/ ٢٦٦، وأصول الأحكام، والاعتصام ٤/ ٥١٠، وتلخيص الحبير ٣/ ٤٠ رقم ١٢٣٨.
(٢) المسند ص ٢٩٥، الاعتصام ٤/ ٥٠٥.
(٣) شرح التجريد ٦/ ١٨١، والشفاء ٣/ ٢٦٦، وأصول الأحكام.
(٤) قال أبو حنيفة: لا حق للبايع في المبيع.