باب التفليس والحجر
  كلِّه، فإذا بقي بعضُه مُسْتَحِقَّاً كان أحقَّ بذلك القدر. وأما المرتهن فإنما كان أولى بالرهن لِمَا تعلَّق به من الحق، فكان أولي به ممن لا يتعلق له به حق، وكذلك العبد الجاني؛ لأن حق المجني عليه قد تعلق برقبته، ولهذا فإن مولاه متي سلَّمَه بجنايته لم يلزمه شيء آخر، فكان المجني عليه أولى به.
  مسألة: (ومن قَصُرَ مالُه عن قضاء الديون التي كانت عليه، كان للحاكم أن يحجر عليه، ويبيعَ عليه ما يستغني عنه من أمواله، ويوفي غرماءَه). والأصل في ذلك ما روي عن النبي ÷ أنه حَجَرَ على معاذٍ وباع ماله للغرماء(١). وروي أن غرماء معاذ التمسوا معاذاً من رسول الله ÷ يسلمه إليهم، فقال بعدما باع عليه مالَه: «لَيْسَ لَكُمْ إِلاَّ ذَلِكَ»(٢). فدل على أن الْمُفْلِسَ لا يؤاجر للغرماء. ومعنى لا يؤاجر أي لا يُدْفَعُ أجرتُه للغرماء. قلنا: ويبيعُ عليه ما يستغني عنه؛ لأنه لا خلاف أن الذي لا غنى له ولا لأولادِه عنه لا يُبَاع عليه، فكانت الفضلات مما يجوز بيعه كسائر أمواله.
  مسألة: (وإذا وُجِدَ في يَدِهِ شيءٌ بعد الحجرعليه فأقر به لغيرِه لم يقبل إقرارُه). ولا خلاف بين من أثبت الْحَجْرَ في ذلك، ووجه ذلك أن حقَّ غرمائِه قد تعلَّق بعين ماله، فلا يَصِحُّ إبطالُه لحقهم، كما لا يقبل إقرار الراهن في الرهن بما يبطل حق المرتهن.
  فصل: ولا يصح عندنا الحجر على العاقل لأجل التبذير(٣)، وكثرة الإنفاق؛ وذلك لقول الله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ
(١) الشفاء ٣/ ٢٦٩، وأصول الأحكام، والبيهقي ٦/ ٤٨، والدار قطني ٤/ ٢٣٠، والمستدرك رقم ٢٣٤٨، و تلخيص الحبير ٣/ ٣٧ رقم ١٢٣٣
(٢) الاعتصام ٤/ ٥١١، وأصول الأحكام، وشرح معاني الآثار ٤/ ١٥٧.
(٣) أجازت الشافعية الحجرعليه.