باب العفو
  عفوه، فإذا مات قبل العفو انتقل حقُه إلى ورثته. وإنما قلنا: إنهم إذا عَفَوْا عن الدم كان لهم أخذُ الدية؛ لما ثبت أنهم مخيرون بين القصاص، وبين العفو، وبين الدية؛ بما تقدم من الخبر(١)، ولما روي عن النبي ÷: «مَنْ أُصِيْبَ بِقَتْلٍ أوخَبْلٍ(٢) فَإِنَّه يَخْتَارُإِحدَى ثَلاثٍ، إمَّا أَنْ يَقْتَصَّ أو يَعفُوَ أو أن يَأخُذَ الدِّيةَ»(٣). فإذا أسقطوا أحدها كان لهم أخذ الثاني. ويدخل ذلك تحت قوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ}[البقرة: ١٧٨]. قلنا: فإن عَفَوْا عنهما جميعاً سقطا معاً؛ لأنهما من جملة حقوقِهم التي لهم استيفاؤها ولهم إسقاطها، فإذا عفوا عنهما سَقَطَا، كسائر الديون وما جرى مجراها.
  مسألة: (فإن عَفَى بعضُ الورثة عن الدم سقط كلُّه، ولسائِرهم المطالبةُ بحقهم من الديةِ، وله أيضاً إذا لم يُسْقِطْ حَقَّهُ منها). أما سقوط القصاص بعفو البعض، فإنه إجماعٌ؛ وذلك لأنه لا يمكن تبعيضه، ولا يصح استيفاء حق الباقين، فوجب سقوطُه. وأما وجوب الدية لهم بعد سقوط الدم فلما ثبت من أنهم مُخَيَّرُونَ بين استيفاء القصاص وبين أخذِ الدية، فإذا سقطت إحدى الْخِيَرَتَيْنِ، بقيت الأخرى؛ فكان لهم أَخذُ الدية.
(١) قال الشافعي وأبو حنيفة: ليس لولي الدم إلا القصاص أو العفو ولا سبيل له إلى الدية إلا برضى القاتل، ورتب أصحاب الشافعي قوله على وجهين: أحدهما: ما ذكرناه. والثاني: أن الواجب هو القود ثم ننقل إلى المال بالعفو عن القود واختيار المال.
(٢) الخَبْلُ: هو الفساد في الأعضاء. النهاية في غريب الحديث ٢/ ٨.
(٣) شرح التجريد ٥/ ٢١٨، والشفاء ٣/ ٣٧٥، والاعتصام ٥/ ١٧٣، وأبو داود رقم ٤٤٩٦، وابن ماجه رقم ٢٦٢٣، والبيهقي ٨/ ٥٢، والمعجم الكبير ٢٢/ ١٨٩ رقم ٤٩٤.