باب الحدود
  مسألة: (والثاني: حَدُّ القاذف: وهو ثمانون جلدة إذا كان القاذفُ حراًّ، وكان المقذوف بالزنى حراًّ بالغاً مسلماً، فإن لم يكن كذلك، لم يُحَدَّ قاذِفُهُ ولكن يُعَزَّرُ. وحد العبد نِصفُ حدِّ الحر). والأصل في ذلك قول الله سبحانه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}[النور: ٤]. قلنا: إذا كان القاذف حراًّ؛ لأنه لو كان عبداً كان حدُّه نصفَ ذلك؛ لما قدمنا ذكرَهُ من أن حدَّ المملوك نصفُ حدِّ الحر. ولا خلاف أن المقذوفَ يجب أن يكون حراًّ بالغاً مسلماً، وأنه لا يجب الحدُّ على من قَذَفَ مملوكاً أو صبياً أو كافراً. قلنا: ولكنه يعزُّرُ؛ ولا يظهر خلاف في ثبوت التعزير على الجملة، ووجهه أنه يَزْجُرُ عن الجنايات ومُوَاقَعَةِ المحظورات.
  مسألة: (والثالث: حَدُّ شارب المسكر: وهو ثمانون جلدة(١) إذا كان حراًّ، فإن كان عبداً فنصف ذلك). والأصل فيه ما روي عن النبي ÷ أنه قال في من شرب الخمر: «اجْلِدُوهُ ثَمَانِيْنَ جَلْدَةً»(٢). وعنه ÷ أنه ضرب في الخمر بنعلين أربعين. فجعل عمر لكل نعل سوطاً، وذلك ثمانون(٣). وقد بيَّنا في باب الأشربة أن كل مسكر خمر. وقد روي عن أمير المؤمنين # أنه قال: «لا أَجِد أحداً يَشْربُ الخمرَ والنبيذَ والمسكِرَ إلاَّ جلدتُهُ الحدَّ»(٤)، وقد بينا فيما قَبْلُ أنَّ حد المملوك نصفُ حدِّ الحر، فوجب أن يكون حدُّه أربعين جلدة.
(١) وقال الشافعي: حده أربعون جلدة.
(٢) شرح التجريد ٥/ ١٣٠، وأصول الأحكام، والشفاء ٣/ ٣٣٤، والاعتصام ٥/ ٩٥، والترمذي رقم ١٤٤٢، ونصب الراية ٣/ ٣٥٢.
(٣) شرح التجريد ٥/ ١٣٠، وأصول الأحكام، والاعتصام ٥/ ٩٦، وشرح معاني الآثار ٣/ ١٥٧، ومسند أحمد رقم ١١٦٥٩، ومسند أبي يعلى رقم ٣٢١٩، وصحيح ابن حبان رقم ٤٤٥٠.
(٤) المسند ص ٣٣٧، والأحكام ٢/ ٤١٠، وشرح التجريد ٥/ ١٣٢، وأصول الأحكام، والشفاء ٣/ ٣٣٣، والاعتصام ٥/ ١٠٠، والبيهقي ٨/ ٣١٣، ومسند الشافعي ٠/ ٢٨٦.