باب الجهاد
  القسمة كان أولى به، إذا دفع قيمته إلى من صار في نصيبه). أما أن صاحبه يكون أولى بأخذه قبل القسمة وبعدها فممَّا لا يظهر خلافٌ فيه بين العلماء، وكذلك أخذه قبل القسمة بغير شيء مما لا يظهر فيه خلاف أيضاً. وإنما الخلاف في القيمة التي تلزم بعد القسمة فعند بعضهم أنها تلزم من بيت المال، وعندنا تلزم في مال الآخذ لذلك الشيء. والمسألة مبنية على أن ملك ذلك المسلم زال بغلبة الكفار عليه، والدليل على ذلك قول الله سبحانه وتعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا}[الحشر: ٨]، فسماهم فقراء لَمَّا أخرجَهُم الكفَّارُ من أموالهم فلو يَزُلْ مِلْكُهُم عنها لما كانوا فقراء. وروي أن النبي ÷ لما هاجر إلى المدينة باع عقيلُ دُوْرَهُ، فصارت ملكًا لهم. وعنه ÷ أنه لما فتح مكة قيل له: هل تنزل دارك، قال: «وَهَلْ تَرَكَ عَقِيْلٌ لَنَا مِنْ رِبَاعٍ(١)»(٢). فدل ذلك على زوال ملك المسلم بغلبةِ الكفار، فإذا ثبت ذلك وصار ذلك الشيء في حق بعض المسلمين بالقسمة، لم يبطل حقه إلا بعوض يستحقه ممن يزيل حقه، وهو المالك الأول، فلزمته القيمة. وروي أن رجلاً أصاب له العدو بعيراً، فاشتراه رجل منهم، فجاء به فعرفه صاحبه، فخاصمه إلى رسول الله ÷ فقال: «إِنْ شِئْتَ أَعْطَيْتَهُ ثَمَنَهُ وَهْوَ لَكَ، وَإِلاَّ فَهُوَ لَهُ»(٣).
  مسألة: (وإذا عقد رجلٌ من المسلمين أماناً لبعض الكفار صح عقده، ولم يَجُزْ لأَحَدٍ نقضُ أمانه، ويجب أن يكون الأمان إلى مدة مضروبة، ولا يجوز
(١) الرَّبع الدار يعينها حيث كانت وجمعها رباع، وربوع، وأرباع، وأربع. مختار الصحاح ص ٢٢٩.
(٢) شرح التجريد ٢/ ٦٣، والشفاء ٣/ ٦٠٧، والبخاري رقم ١٥١١، والبيهقي ٦/ ٢١٨.
(٣) الشفاء ٣/ ٦٠٦ بلفظ مقارب، وشرح معاني الآثار ٣/ ٢٦٣.