باب فروض الوضوء
  دخول الحد في المحدود، كقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ}[النساء: ٢] معناه: مع أموالكم، وقد تستعمل على وجه لا يقتضي دخولَ الحد في المحدود، كقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}[البقرة: ١٨٧] فيصير قولُه تعالى: {إِلَى الْمَرَافِقِ} في حكم المجمل؛ لاحتماله الأمرين، فيكون فعل النبي ÷ بيانًا له ومقتضيًا لدخول المرافق في الوجوب.
  مسألة: (والخامس: مسح الرأس كلِّه مع الأذنين)(١). والدليل على وجوبه ما في الآية من قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} والباء تقتضي إِلصاقَ الفعل بالمفعول به؛ فيقتضي ذلك وجوبَ إِلصاق المسح بجميع ما يُسَمَّى رأسًا؛ ويصير بمثابة قوله تعالى في آية التيمم: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ}[النساء: ٤٣] فكما أن المسح يجب أن يكون عامًّا للوجه؛ فكذلك هاهنا؛ ولما روي عن النبي ÷ أنه مَسَحَ رأْسَهُ فِي وُضُوئِهِ مَرَّتَيْنِ: بَدَأَ بِمُؤَخِّرِرَأْسِهِ، ثُمَّ مَسَحَ مُقَدَّمَهُ، ومُقَدَّمَ أُذُنَيْهِ وَمُؤَخَّرَهُمَا وَأَدْخَلَ إِصبَعَيْهِ فِي حُجْرَتَي أُذُنَيْهِ، وَغَسَلَ قَدَمَيْهِ ثَلاَثًا(٢) وعنه ÷ أنه قال:» تَمَضْمَضُوا وَاسْتَنْشِقُوا؛ وَالأُذُنَانِ مِنَ الْرَّأْسِ»(٣) والمراد بذلك دخولهما في وجوب المسح وإلا لم يكن لهذا القول معني.
(١) وعند الشافعية ولو شعرة، والحنفية ربع الرأس، وجعلت تعميمه و مسح الأذنين من السنن.
(٢) الأمالي ١/ ٣٦ بلفظ مقارب، والشفاء ١/ ٥٤، والبخاري رقم ٤٣٤، بلفظ: «أنه إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه»، وابن ماجه رقم ١٨٣، وأبو داود رقم ١٢٢، بلفظ مقارب.
(٣) شرح التجريد ١/ ١٤٠، والاعتصام ١/ ٢٠٥، وأصول الأحكام، والترمذي رقم ٣٧، وابن ماجه رقم ٤٤٣ بلفظ: «والأذنان من الرأس». وكذلك أبو داود رقم ١٣٤، وسنن النسائي ١/ ٨٦.