البيان في شرح اللمع لابن جني،

عمر الكوفي أبو البركات (المتوفى: 539 هـ)

باب مذ ومنذ

صفحة 259 - الجزء 1

  فإذا كانا اسمين كان الكلام من جملتين. وإذا كانا حرفي جر كان الكلام جملة واحدة. و (مُذْ) و (مُنْذ) لا يُضافان إلى مضمر؛ لأنَّهم⁣(⁣١) استغنوا بقولهم: (أَمَدُهُ)⁣(⁣٢) عن (مُنْذُهُ)، كما استغنوا بقولهم (إِلَيْه) عن (حَتَاهُ).

  قال⁣(⁣٣): «وَ (مُنذُ) مبنية على الضم، وَ (مُذْ) مبينة على الوقف، فإن لقيها⁣(⁣٤) ساكن بعدها ضُمَّتِ الذال لالتقاء الساكنين، تقولُ: مُذ اليوم، ومُدُ الليلة. وأصلُ (مذ): (مُنْدُ) فَحُذفت التونُ تخفيفًا».

  اعلم أنَّ (مُذ) و (مُنْذُ) مبنيان على كلِّ حالٍ، أما إذا كانا حرفي جر؛ فلآن الحروف كلها مبنية، وأما إذا كانا اسمين؛ فلان معناهما في غيرهما، وهو الزَّمانُ الذي يدلان عليه. وقال قوم: الحرفية مراعاة فيهما⁣(⁣٥) وبني (مذ) على السكون؛ لأنَّ أصل البناء أن يكون ساكنا، فجاء على أصله. بُنِي (مُنْذُ) على الضم لاتباعِ الصَّمَّةِ الصَّمَّةَ، ولم يحْفِلوا بالساكن، ولم يبنوها على الوقف لأجل سكون النون فيلتقي ساكنان. فإن لقي (مُذْ) ساكنٌ حَرَّكْتُها بالضم رداً لها إلى أصلها؛ لأنَّ أصلها كان (مُنْذُ) مبنيا على الضم، فلما حذفت النّونَ سَكَنَ، ويجوز أنْ يُحَرَّكَ بالكَسْرِ على الأصل في كل ساكنين التقيا⁣(⁣٦) (⁣٧).


(١) أي: العرب.

(٢) في الأصل: (أمذه) بالذال المعجمة، وهو تصحيف، والتصويب من (ع).

(٣) (قال): ساقطة من (ع).

(٤) في (مل): (لقيهما) وهو خطأ؛ لأن الكلام عن (مذ) وحدها.

(٥) نسب هذا الرضي في شرحه إلى بعض البصريين ولم يحددهم انظر الرضي على الكافية: ٢/ ١١٨.

(٦) تحريك ذال (مذ) بالكسر عندما تلتقي بساكن بعدها لُغَيَّةٌ لبعض:، بني عبيد من غني، وهم يحركونها بالكسر مطلقاً سواء لقيت ساكناً بعدها أم لا. انظر الرضي على الكافية: ٢/ ١١٧، ١١٨، والمساعد: ١/ ٥١٥.

(٧) انظر ما نقله صاحب شرح الكافية عن الأخفش: ١/ ١١٨.