البيان في شرح اللمع لابن جني،

عمر الكوفي أبو البركات (المتوفى: 539 هـ)

باب التوكيد

صفحة 278 - الجزء 1

باب التوكيد

  قال: «أعلم أن التوكيدَ: لَفْظُ يَتْبَعُ الاسم المؤكَّدَ لِرَفْعِ اللبس وإزالة الاتساعِ. / وَإِنَّمَا تُوَكَّدُ المعارف دون النكراتِ مُظْهَرُها ومُضَمَرها. والأسماء المؤكَّد بها تِسْعَةٌ وهي: (نَفْسُهُ) وَ (عَيْنَهُ) وَ (كُلُّهُ) وَ (أَجْمَعُ) وَ (أَجْمَعُونَ) وَ (جَمْعاءُ) وَ (جُمَعُ) وَ (كلا) وَ (كِلْتا)، تقولُ: قام زيد نفْسُهُ، ورأيتُ زيداً نفسَهُ، ومَرَرْتُ بزيد نفسه. وكذلك: قام أخوك عينه، ورأيته عينه، ومررتُ به عينه».

  اعلم أن التوكيد على ضربين: ضَرْب بتكرير اللفظ، وضرب بتكرير المعنى. فالذي بتكرير اللفظ يصلح في كُلِّ نَوع من الكلم الثلاث، تقولُ: رَأَيْتُ زيداً زيداً، وجاءني زيد زيد، ومَرَرْتُ بزيد زيد. وتقول في الفعل: قُمْ قُمْ، وَاضْرِبْ اضرب، وتقولُ في الحَرْفِ: في الدَارِ زَيْدٌ فيها، وفيك زيد راغب فيك. قال الله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا}⁣(⁣١) وتكرير الفعل في قول الشاعر⁣(⁣٢):

  ٩٠ - ألا يا اسلمي ثُمَّ اسْلَمي ثُمَّت اسلمي ... ثَلاثُ تَحيَّاتِ وَإِنْ لَمْ تَكَلَّمي

  وأما التأكيد بالمعنى فإنَّما يكون في المعرفة دون غيرها. فإن قال قائل: المعارف معلومةٌ مشهورةٌ فكيف يُؤَكِّدُ ما هو معروف مُسْتَغْن بنفسه؟

  قيل له: لما كانت العرب تَسْتَعْمِلُ المجاز في كلامها، حتى إِنَّهُم يقولون: مررتُ بفلان، وربما مروا بداره وجاءَني فلانٌ، وربما جاءَهُمُ غُلامُهُ.


(١) هود: (١٠٨). ضبطت (سعدوا) في الأصل و (ع) بفتح السين وهي قراءة ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر / السبعة: ٣٣٩.

(٢) غير معروف.

٩٠ - البيت من الطويل. انظر الأصول: ٢/ ١٩، والتبصرة: ١/ ١٦٣، وابن يعيش: ٣/ ٣٩.