البيان في شرح اللمع لابن جني،

عمر الكوفي أبو البركات (المتوفى: 539 هـ)

باب التوكيد

صفحة 279 - الجزء 1

  فإذا قال القائِلُ: جاءَني زيد، فيَظُنُّ ظانٌ في نَفْسِهِ مَا جَرَتْ عَادَتُهَا بِهِ مِنَ التوسع والمجاز، فإذا قال: جاءَني زيد نفسه، ارتَفَعَ ذلكَ اللَّبْسُ وَعُلِمَ يَقينًا أَنَّه جَاءَ لا غيره. فالتوكيد على هذا يُرْفَعُ اللَّبْس المواقع في كلام العرب.

  واعلم أنَّ التوكيد يجري مجرى الوصف في جريه على الأول في الإعراب⁣(⁣١) وأنه هوَ هُوَ⁣(⁣٢) كما أن الوصف كذلك.

  وألفاظ التوكيد على ضربين: ضَرْبٌ لا يُسْتَعْمَلُ إِلا مضافًا، وهو (نَفْسُهُ) وَ (عَيْنُهُ) وَ (كلا) وَ (كِلْتا). وضرب لا تجوز إضافته، وهو (أَجْمَعُ) وما يَتْبَعُهُ من التثنية والجمع.

  فأما (كُلُّهُمْ) فالإضافة فيها أكثر، وقد جاء في قوله تعالى: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ⁣(⁣٣) دَاخِرِينَ ٨٧}⁣(⁣٤) مُنَوَّنا غير / مُضاف. وجميع هذه الألفاظ فَإِنَّكَ تُؤَكِّدُ بها المضمر والمظهَرَ إِلا (عَيْنَهُ) وَ (نَفْسَهُ) فَإِنَّكَ لا تُؤَكِّدُ بهما الضمير المرفوع خاصةً لِتَمَكَّنهما في الأسماء ودخول العوامل عليهما بالرفع والنصب والجر، فإذا أردت أن تُؤكد بها الضمير المرفوع أظهرته، فتقولُ: قُمْتَ أَنتَ نَفْسَكَ، ولا يجوز قُمْتَ نَفْسُكَ؛ وذلك لان الضمير المرفوع صارَ كأنَّهُ جُزء من الفعل، فإذا أُريد توكيد⁣(⁣٥) الاسم أُظْهِرَ ثُمَّ أُكْدَ، كما يفعلون في العطف سواء، قال الله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ


(١) من (ع)، في الأصل (إعراب) بغير (أل).

(٢) في (ع): (هو) واحدة والأخرى ساقطة.

(٣) في الأصل (أبوه)، وهو تصحيف.

(٤) النمل: (٨٧).

(٥) في الأصل: (توكد)، وهو تحريف، والتصويب من (ع).