باب الحروف التي تنصب الفعل
  سبحانه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ٣٣}(١) (٢) تقديره: لأَنْ يُعَذِّبَهُم، ولا يجوز إظهار (أن) مع النفي».
  اعلم أن هذه اللام هي لام الجرّ دخلت على الأفعال المستقبلة بمعنى (كي) وحروف الجر لا تدخل على الأفعال، فلما دخلت عليها قدروا بعدها (أنْ)؛ ليكون دخولها على مصدر، ويجوز أن تظهر (أنْ) بعدها في الموجب دون المنفي، فتقول: جِئْتُ لِتُكْرِمَني، وَحِفْتُ لأَنْ تُكْرِمَني، على معنى سواء.
  وإنما امتنع إظهارها مع الجحد؛ لأن (أنْ) إذا ظهرت وقعت نقيضة فعل ليس تقديره تقدير اسم، ولا لفظه لفظ اسم، فإذا قلنا: [ما كان زيدٌ لِيَخْرُجَ، فهو قبل الجحد كان: زيد سيخرج أو سوف يخرج، فإذا قلنا:](٣) ما كان زيد لأن يخرج بإظهار (أن) جعلنا مقابلة الفعل اسما، فكرهوا إظهار (أن) لذلك. والكوفيون(٤) يمنعون أن تكون هذه اللام لام الجرّ وقالوا: هي الناصبة للفعل بنفسها، تتضمن معنى (كي). قالوا: ولو جاز دخول لام الجر على الفعل لجاز دخول الباء فكنت تقول: أَمَرْتُ بِتُكْرِمَ، على معنى أمرْتُ بأن تُكْرِمَ. وأجاب (أبو سعيد) في الشرح(٥) / عن ذلك؛ بأن حروف الجر لا تتساوى في ذلك، قال(٦): واللام تدخل على المصادر التي هي أغراض الفاعلين في أفعالهم وهي شاملة، فحسن أن يسأل عن كل فعل فيقال: لِمَ فَعَلْتَ؟ فَأَشْبَهَتْ (حتى) و (كي) في هذا المعنى. والله أعلم.
(١) الأنفال: (٣٣).
(٢) في (مل) اقتصر بالشاهد على قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ}.
(٣) تكملة من (ع).
(٤) انظر الإنصاف المسألة رقم (٧٩): ٢/ ٥٧٥.
(٥) شرح الكتاب للسيرافي: ج ٣ / الورقة: ١٩٠ / (أ).
(٦) الشرح: ج ٣ / الورقة: ١٩٠ / (أ) - (ب).