[توبة القاتل]
  المؤمن مقبولة إذا أقاد من نفسه فرجع عن خطيئته، وندم على فعله، واستغفر الله سبحانه لذنبه، وأناب إلى ربه، فقال سبحانه وتعالى: {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الزمر: ٥٣]، وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء: ٤٨] فحرم الله المغفرة على [٣٤ ب - أ] من تاب على شركه، وأرجأ أهل الذنوب فلم يخص أحداً منهم بترك قبول توبته إذا تاب، وهذه آية مبهمة أخبر الله فيها عن قدرته وأنه يغفر ما يشاء لمن يشاء، غير أنه لا يشاء أن يغفر لأهل الكبائر الذين يموتون عليها، والذين قد انتضمهم الوعيد.
  وقد بلغني من حيث أحب [٦٥/ ٢] أن هذه الآية التي في الفرقان نزلت من أجل قوم من المشركين قدموا على النبي ÷ فقالوا له: يا محمد، إن جميع ما تدعوا إليه لحسن، ولكن كيف نفعل بما مضى [٩٣ أ - ب] من كثرة ذنوبنا وقتلنا، من قتلنا فلوا أخبرتنا أن لما عملنا كفارة لأجبناك إلى ما تدعونا إليه، فنزلت الآية {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ...} الآية [الفرقان: ٦٨](١).
  ولعمري أن من مات على غير توبة من أهل الوعيد، فأمّا ما احتج به من ذكرنا من الآية التي في النساء، وزعم أنها نزلت بعد ذلك بسبعة أشهر أو ستة أشهر، وزعم أن آية الفرقان مكية وآية النساء مدنية، فكل هذا عندنا على ما قد تقدم عليه قولنا، ولمن مات على غير توبة، والتوبة النصوح عندنا تغسل كل شيء، وعلى ذلك يوم الوعد والوعيد وهذا وجه الحق. والله أعلم. ولا يلتفت إلى ما ذكر من هذه الأخبار وناسخ وما ذكر ومنسوخه.
(١) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب التفسير رقم (٤٨١٠)، ومسلم في صحيحه كتاب الإيمان رقم (١٢٢/ ١٩٣)، وأبو داود في سننه رقم (٤٢٧٤)، والنسائي في سننه رقم (٤٠٠٤)، وانظر: تحفة الأشراف رقم (٥٦٥٢)، والنسائي في تفسيره (٢/ ٥٣).