الناسخ والمنسوخ من القرآن الكريم،

عبد الله بن الحسين الرسي (المتوفى: 300 هـ)

[الإطاقة ومتى تجب الفدية ولمن]

صفحة 59 - الجزء 1

  آخرون: {وَعَلَى الَّذِينَ لا يُطِيقُونَهُ}⁣(⁣١) فهذا مَا اختلف فيه من هذا الباب.

  ثم اختلفوا أيضاً في معناها⁣(⁣٢) على أربع فرق:

  فرقة قالت: فرض الصيام لازم لا يجزي غيره للمقيمين، لزمهم ذلك بالآية المحكمة، وهي قوله ø: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ [٦ أ - أ] الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}⁣[البقرة: ١٨٥]. وهذا قولنا وبه نأخذ في كل مقيم، إلاَّ من كان على ما ذكره الله {لا يطيقه} لِعلةٍ في نفسه، أو مخافة⁣(⁣٣) لإهلاك غيره، من ولد يرضع أو حامل تطرح، فعلى من كان كذلك الفدية⁣(⁣٤)، والصوم إذا أطاق.


(١) روي عن مجاهد قال: كان ابن عباس ¥ يقرؤها: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} قال: الشيخ الكبير الذي لا يطيقه الصيام يطعم عنه، كما روي عن سعيد بن المسيب: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} قال: الشيخ الكبير الذي يصوم فيعجز، والحامل إن اشتد عليها الصوم يطعمان لكل يوم مسكيناً، ونقل ابن الجوزي في زاد المسير (١/ ١٨٦) قوله: وقرأ أبو بكر الصديق وابن عباس {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} بضم الياء وفتح الطاء وتشديد الواو - قال ابن عباس: هو الشيخ والشيخة. انظر تفسير الطبري (٢/ ١٣٨ - وما بعدها)، تفسير القرطبي (٢/ ٢٨٦ - ٢٨٩)، وقال في الثمرات للفقيه يوسف بن عثمان (١/ ٣٥٩): قراءة عائشة وابن عباس {وعلى الذين لا يطيقونه}، ويحمل على الشيخ الهرم، وقد يحتج لمذهبنا بالآية على الشيخ الهرم وتجعل (لا) مقدرة في القراءة الظاهرة، وقال محققه: في النسفي: أن هذه القراءة لحفصة قال: وقيل معناه لا يطيقونه فأضمر (لا) لقراءة حفصة، وانظر: شافي العليل (١/ ١٧٨ - ١٧٩)، وقال ابن الجوزي في نواسخه ص (٦٩): هذه القراءة لا يلتفت إليها لوجوه:

الأول: أنها شاذة عما اجتمع عليه المشاهير، فلا يعارض ما تثبت الحجة بنقله.

الثاني: أنها تخالف ظاهر الآية؛ لأن الآية تقتضي الإطاقة لقوله: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}، وهذه القراءة تقتضي نفيها.

الثالث: إن الذين يطيقون الصوم ويعجزون عنه ينقسمون إلى قسمين:

١ - من يعجز لمرض أو سفر ... إلخ.

٢ - من يعجز لكبر السن ... إلخ. انظر: نواسخ القرآن ص (٦٩ - ٧٠).

(٢) سيأتي التوضيح أمام رأي كل فرقة من الفرق المذكورة، انظر: تفسير الطبري (٢/ ٤٤ - وما بعدها)، الناسخ والمنسوخ للنحاس ص (٢٣ - ٢٤)، نواسخ القرآن ص (٦٥ - وما بعدها)، ابن العربي (٢/ ٢٠ - وما بعدها)، بالإضافة إلى تفسير ابن كثير وابن الجوزي والقرطبي خلال تفسيرهم للآية المذكورة، شافي العليل (١/ ١٦٧ - ١٨٦).

(٣) في (ب، جـ): أو يخافه.

(٤) وقد اختلف في مقدار الفدية؛ فقيل: يطعم كل يوم مسكيناً مدا من غالب قوت البلد، وقيل: لكل مسكين نصف صاع عن كل يوم، و قيل: نصف صاع من البر وصاع من غيره، قال ابن عباس: يعطي كل مسكين عشاءه وسحوره. انظر: تفسير الخازن (١/ ١١١)، فقه العبادات (٢/ ١٤٧) وما بعدها.