مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن محمد (القسم الأول)،

القاسم بن محمد بن علي (المتوفى: 1029 هـ)

[دحض حجة إباحة الأموال الملتبسة في دولة الظلمة]

صفحة 104 - الجزء 1

  درهم من الملتبس حتى يستغرق الحلال والحرام؛ لأن التخصيص تحكم والمعلوم من الدين ضرورة تحريم إباحة الحرام.

  وأما قول السائل: ويلزم من القول بالتحريم أن يستغني الإنسان بنفسه حيث لم يكن له حرفة إلا المعاملة ... إلى آخره، فإنه لا يلزم ذلك ضرورة، وإنما يلزم من ذلك الحاجة إلى غيره، فيكون الخبر الذي أورده حجة لنا، فلا يكون ذلك مما يقضي العقل بقبحه فتأمل.

[دحض حجة إباحة الأموال الملتبسة في دولة الظلمة]

  ولعل الذين يرجحون الإباحة على الحظر يرخصون في ذلك، واحتجوا على أصل مذهبهم بقوله تعالى: {يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}⁣[البقرة: ١٨٥]، [وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}⁣[الحج: ٧٨]، وقوله تعالى: {يُرِيدُ الله أَنْ يُخَفِفَ عَنْكُمْ ...}⁣[النساء: ٢٨] الآية، ولا حجة لهم في ذلك؛ لأن معنى قوله تعالى: {يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}⁣[البقرة: ١٨٥]]⁣(⁣١) مقصور على الترخيص في الصيام فقط للمريض والمسافر خاصة يدل على ذلك سياق الآية وهي قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أو على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}⁣[البقرة: ١٨٥]، مع أن الدين كله يسر بجنب المشتبه وغيره، وإنما العسر ما لا يطاق، والله سبحانه لم يكلفنا به قال تعالى: {لاَ يُكَلِفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}⁣[البقرة: ٢٨٦].

  ومعنى قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}⁣[الحج: ٧٨] أنه تعالى لم يكلف الناس ما لا يطيقون يدل على ذلك سياق الآية أيضاً حيث أمرهم


(١) ما بين المعكوفين: سقط من (أ).