[حكم الهجرة من دار الكفر ودار الفسق]
  والجواب والله الموفق: أن الهجرة من دار الكفر ودار(١) الفسق واجبة، أما من دار الكفر؛ فلأن النبي ÷ هاجر من مكة حرسها الله تعالى بالصالحين لما كانت دار كفر، وقد قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْمَ الآخِرَ}[الأحزاب: ٢١]، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلاَيَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا}[الأنفال: ٧٢]، وقوله ÷: «أنا بريء ممن وقف في دار الحرب» أو كما قال، وزعم بعض أهل الأهواء أنها منسوخة بقوله صلى الله عليه وآله: «لا هجرة بعد الفتح» ليس شيء؛ لأنه إن صح الخبر فإنما قال ذلك(٢) رسول الله ÷ لاستواء(٣) الدار بعد الفتح ولأن الخبر أحادي، ولا يصح أن تنسخ به صرائح الآيات من كتاب الله تعالى.
  وأما دار الفسق فإنه يجب أمر أهل المعاصي بالمعروف ونهيهم عن المنكر إذا كان ذلك ممكناً، ولا تحل الهجرة مع ذلك بل يجب الوقوف لقوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ...}[آل عمران: ١٠٤] الآية ونحوها، وقوله ÷: «لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر ...»(٤) الخبر ونحوه، وإن لم يكن ذلك ممكناً وجبت الهجرة؛ لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}[النساء: ٩٧]، وقوله ÷: «ما من قوم يكون بين ظهرانيهم
(١) دار: سقط من (أ).
(٢) ذلك: سقط من (ب).
(٣) في (ب): لا يستوي.
(٤) سبق تخريجه.