مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن محمد (القسم الأول)،

القاسم بن محمد بن علي (المتوفى: 1029 هـ)

[وقوع الاختلاف بين المجتهدين وليس كل مجتهد مصيب مع الأدلة]

صفحة 248 - الجزء 1

  بعد النزاع كما وقع النزاع في المختلف فيه من الفروع والسكوت بعد ذلك، والإمامة من الأصول فلو كان ذلك يدل على التصويب لجرى في الأصول كما جرى في الفروع لعدم الفرق، وأيضاً أن السكوت لم يقع من الصحابة إلا بعد الإياس من الرجوع⁣(⁣١) كل إلى صاحبه، وأهل القول بالتصويب ممن⁣(⁣٢) يقول أنه لا يجب النكير عند الإياس من الرجوع إلى الحق فكيف يعتد بذلك في تخصيص الأدلة القطعية؟

  وقالوا: لم ينقض أحد منهم حكم صاحبه!

  والجواب والله الموفق: أنا نجيب في ذلك بمثل ما يعتمدون عليه، حيث قالوا: إنما لم يصح للحاكم أن ينقض ما يخالف مذهبه صيانة للأحكام، وإلا لم يستقر حكم البته، فعدم نقض المصيبين لأحكام من خالفهم من المخطئين إنما كان لصيانة ما وقع صواباً من الأحكام من النقض؛ لأنه لو نقضوا حكم المخطئ لنقض حكمهم؛ لأنه يدعي أن الحق معه.

  وقالوا: كانوا يعتذرون في المخالفة ويقولون: هذا رأيي وهذا رأيك!

  والجواب والله الموفق: أما الاعتذار بما ذكروه فبمراحل من الدلالة على التصويب؛ لأن الله سبحانه قد قال في كتابه: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ ...} إلى قوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}⁣[الكافرون: ١ - ٦]، فلم يكن ذلك تقرير للكفار على دينهم ولا تصويباً.

  وقالوا: قد روي عن أبي هريرة عنه ÷ أنه قال: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد»⁣(⁣٣).


(١) في (ب): من رجوع.

(٢) في (ب): فمن يقول.

(٣) الحديث أخرجه أبو طالب في أماليه بلفظ: «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم وأخطأ فله أجر»، وقال: الخبر محمول على أن يخطئ خبراً مخالفاً لحكمه فيما حكم به، ورد ولم يبلغه، أو يخطئ طريقة أخرى في الاجتهاد لو سلكها لكان ثوابه أكثر، فأما نفس الخطأ فلا يستحق عليه الأجر، باب فضل العلم والحث عليه. (أمالي أبي طالب ص ٢١٧).