[تفسير المؤلف لكلام الإمام علي #]
  ولفظ أوردتموه من التوبيخ واللوم على فعل ذلك، ويسمى هذا التفاتاً، وذلك من الفصاحة بمكان، وقد جاء في الكتاب العزيز كثير، كأول سورة الحمد إلى قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} فإنه للغيبة، وقوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} للخطاب، والسر في ذلك في سورة الحمد: أن أول الحمد مدح لله تعالى، وتمجيد له، وأبلغ المدح والتمجيد ما كان في الغيبة عند العرب لسلامته مما يتهم به ذي(١) الوجهين الذي يمدح في الوجه، ويذم في الغيبة، ولبعده عن الكذب لانتفاء ما يحمل عليه مما يرتجى في الممدوح إذا كان غائباً(٢) في الأغلب، فأجراه الله على الوجه البليغ المحبوب عندهم ليفيد كون ذلك حقاً لا مثل ما يفعله من يكذب في مدحه، وإلا فهو سبحانه وتعالى حاضر لا يغيب، وقوله سبحانه وتعالى مرشداً لعباده: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} مؤدياً لمعنى خضوع العبد لله سبحانه وتعالى واستكانته في الحاجة إليه، وطلب الإعانة منه على طريق الهدى المبلغ إلى النعيم المقيم، والسلامة من العذاب الدائم الأليم، وتلك حاجة كل حاجة غيرها كالعدم، وأبلغ الخضوع والاستكانة والترفق لطلب الحوائج عند العقلاء كافة لا تقع من الدليل للقاهر القادر في الشاهد إلا إذا كان حاضراً، والله سبحانه وتعالى حاضر غير غائب، فأجراه الله تعالى على ذلك ليكون اللفظ مطابقاً للمعنى، فالمعنى بالغ النهاية التي لا وراها واللفظ بالغ الغاية في البلاغة التي لا وراها، وما قاله صاحب (التلخيص) مما يخالف هذا ليس بسديدٍ عندي؛ لأنه مؤدٍ إلى أن العبد لم يكن مقبلاً على ربه حتى ينتهي إلى خاتمة صفاته تعالى المحمودة، وهو قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}.
(١) ذي: سقط من (أ)، وفي نسخة أخرى: صاحب الوجهين.
(٢) في (أ): حاضراً.