[قول الهادي # في الهجرة]
  قلت وبالله التوفيق: ومعنى ذلك أن الله تعالى يخذله ويسلبه الألطاف، ويكله إلى نفسه، فيكون سيقة للشيطان يعمل بالشبهات(١)، ويطلب بصرائح الأدلة من التأويلات حتى يردها إلى ما يطابق هواه، ويصلح له دنياه.
  وما قاله أمير المؤمنين # في كلام طويل، كلّم به كميل بن زياد، وهو قوله: (أو منهوماً باللذة، سلس القياد للشهوة، أو مغرماً بالجمع والادخار، ليسا من رعاة الدين في شيء، أقرب شيء شبهاً بهما بالأنعام السائمة)(٢)، ولا يقولوا بعد تبيين الحق ووضوحه نعمل بخلاف هذا، ونجعل بيننا وبين النار عالما، فإني أخاف أن يكون ذلك شركاً؛ لأن النبي ÷ سئل عن قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ}[التوبة: ٣١].
  فقال ÷: «أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا يُحلّون لهم ما حرم الله عليهم فيستحلونه، ويُحرمون عليهم ما أحلّ الله لهم فيحرمونه» رواه أبو طالب # في (الأمالي)(٣).
  قلت وبالله التوفيق: وهذا [الحديث صحيح](٤) لموافقته لقوله(٥) تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}[الأنعام: ١٢١].
  ووجه كونهم مشركين أنهم قد تقلّدوا حكماً والتزموه، وعبدّوا له أنفسهم؛ امتثالاً لمن شرعه لهم وابتدعه، وهو غير الله سبحانه، فقد جعلوا لله شريكاً في تشريع الشرائع! وذلك بحمد الله واضح.
(١) في (ب): بالشهوات.
(٢) نهج البلاغة ص ٦٩٧، شرح الشيخ محمد عبده.
(٣) أمالي أبي طالب. باب ذكر علماء السوء والتحذير منهم ص ٢٢٣.
(٤) ما بين المعكوفين: سقط من (ب).
(٥) في (ب): قوله.