البيان في شرح اللمع لابن جني،

عمر الكوفي أبو البركات (المتوفى: 539 هـ)

باب المفعول معه

صفحة 215 - الجزء 1

  اعلم أنَّ المفعول في هذا الباب ينتصب بالفعل الذي قبله بتوسط الواو؛ وذلك أنَّ الفعل لازم لا يَعْمَلُ في مفعول، فعدّوهُ بحرف الجر الذي هو (مع)؛ لأنَّ (مع) هي للجمع بين الشَّيْئَيْنِ والمُصاحَبَة بينهما، واشتراكهما في الفعل تقولُ: جاءَ زيد مع عمرو، بمعنى أنهما اصطحبا واشْتَرَكا في المجيء، فما بَعْدَ (مع) مجرور في اللفظ، وهو في المعنى مرفوع بالمجيء.

  وموضعُ (مع) نصب على الظرف بالفعل المقدم، إلا أنَّ العرب توسعت، فحذفت (مع)، وأقامت الواو مقامها؛ لأن الواو للاشتراك، كما أن (مع) للاشتراك، فوَصَلَ الفعل إلى ما بعد الواو فنَصَبَهُ. فالواو هاهنا مُجَرَّدَةٌ من العطف قائِمَةٌ مقام (مع) غير عاملة فيما بعدها⁣(⁣١).

  ولا يصح المفعولُ في هذا الباب حتى يكون بينه وبين الفاعل مُلابَسَةٌ؛ لأنَّ قولنا: جاءَ البَرْدُ والطيالسة، يُريدُ أنهما جاءا معاً، وليس كذلك قولنا: جاءَ زيد وعمرو، لأن الثاني ليس بينه وبين الأول ملابَسَةٌ؛ لأنَّه يحتمل أنه جاء بعده أو قبله، فهذا فرق ما بين العطف والمفعول معه. فلو قلت: جاءَ زَيْدٌ وعَمْراً، لم يجز حتى تَجْعَلَ الواو بمعنى (مَع)، ويكون بين الأوَّلِ والثَّاني مُلابَسَةٌ، في مذهب من يقيس هذا الباب⁣(⁣٢). ومن هذا قوله تعالى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ}⁣(⁣٣) التَّقدير - والله أعلم - أجمعوا أَمْرَكُمْ مع شُركائِكُمْ؛ لأنَّكَ لا تقولُ: أَجْمَعْتُ شُركائي، وإِنَّما تقولُ: جَمَعْتُ، فَعُلم أنَّ المراد به مع شركائكم. وبعض الناس يقول معناه أَجمعوا أَمْرَكُمْ، وأجمعوا شُركاءَكُمْ، فحذف الثاني


(١) هذا مذهب جمهور البصريين في ناصب المفعول معه وبين النحاة في ناصبه خلاف انظره في المساعد ١/ ٥٣٩ - ٥٤٠، وشرح الكافية للرضي: ١/ ١٩٥.

(٢) ذهب الأخفش وأبو علي إلى جواز القياس في هذا الباب. انظر الرضي على الكافية: ١/ ١٩٨.

(٣) يونس: (٧١).