البيان في شرح اللمع لابن جني،

عمر الكوفي أبو البركات (المتوفى: 539 هـ)

المشبه بالمفعول

صفحة 218 - الجزء 1

  الكلام دونها. وتُشْبِهُ التَّمييز من حيث إِنَّ الحال تحتَمِلُ وجوها⁣(⁣١)، فإِذا أَرَدْتَ إحدى هيئات ذي الحال ذكرتها، والتمييز يكون لما يحتمل أعداداً فتبيينه بأحدها، وأيضا فإنَّ الحال نكرةٌ كَما أنَّ التَّمييز نكرة. والفرق بين الحال والتمييز: أنَّ الحال لا تكون إلا مُشتقةً من فعل. والتَّمييز لا يكون إلا اسما جامداً. والحال يحسنُ دُخولُ (في) / عليها⁣(⁣٢). والتمييز يحسنُ دخولُ (من) عليه. فإذا رأيت الحال باسم غيرِ مُشتق فقدر له مُشْتَقًا، نحو قولك: هذا الثَّوْبُ خَزَّا، التَّقدير: هذا الثَّوبُ لَيِّنًا.

  وإذا قلت: عندي خَمْسونَ ضاربًا، فالتقدير⁣(⁣٣): رجلاً ضاربا، أو غلاما، أو ما أشبه ذلك. والفرق بين الحال والمفعول به أنَّ المفعول يُضْمَرُ ويُظْهَرُ. والحال لا يجوزُ إِضمارها؛ لأنَّها لو أَضْمِرَتْ لَتَعَرَّفَتْ، ولا تكون الحال معرفةً، وإِنَّما وقعت الحال نكرة، لأنها زيادة في الخبر وفي الفائدة، والخبر في الأصل نكرة، ولا يكون ذو الحال إلا معرفةً؛ لأنَّكَ تُخْبِرُ عنه بالحال، والإخبار عن النكرات لا يُفيد.

  والحال وإن كانت صفَةً مِنْ صِفاتِ الفاعِلِ. فَإِنَّهُ لا يُطْلَقُ عليها اسمُ الصَّفَةِ. وإِنَّما سُمِّيت حالاً فراراً من ذلك؛ لأنَّ المعرفة لا توصف بالنكرة. والفرق بين وبين الصفَةِ: أَنَّ الصَّفَةَ تَفْرُقُ بين اسمين مشتركين في اللفظ، والحال زيادة في الخبر وإن لم يكن للاسم مشارك في لفظه، ألا ترى أنَّك تقولُ: جاءَ الفَرَزْدَق ماشيًا. وليس آخَرُ اسمُهُ الفرزدق، فَعُلمَ أَنَّها زيادةُ خَبَرٍ، إلا أنَّ هذه


(١) يريد أن هيئات صاحب الحال متعددة نحو (عابس ضاحك مسرور، مكتئب ...) فإذا عَيَّنت إحداها انتفت أضدادها.

(٢) كذا في الأصل و (ع)، والصواب أن الحال لا يحسن دخول (في) عليها إلا إذا قدرنا قولنا: جاء زيد ضاحكا: جاء زيد في حال ضحكه.

(٣) في (ع): (والتقدير).