باب الحال
  النكرة هي المعرفة في المعنى.
  ولما كانت الصفةُ تَتْبَعُ الموصوف في إعرابه نَصَبوا الحال، وإن كان ذو الحال مرفوعاً؛ لِيُعْلَمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِصِفَةٍ في الحقيقة.
  قال: «والعامل في الحال على ضربين: مُتَصَرِّفٌ، وغيرُ مُتَصَرِّف.
  فإذا كان العامل مُتَصَرِّفًا جاز تقديم الحال عليه(١)، تقول: جاءَ زيد راكبًا، وجاءَ راكبا زيد، وراكبًا جَاءَ زيد، كلُّ ذلك جائز، لأنَّ (جاءَ) مُتَصَرِّفٌ. والتَّصَرُّفُ: هو التَّنقُلُ في الأَزْمِنَةِ، تقولُ: جاء يجيء مجيئا فهو جاء. وكذلك: أقْبَلَ مُحَمَّدٌ مُسْرِعًا، وأَقْبَلَ مُسْرِعًا مُحَمَّدٌ، وَمُسْرِعًا أَقْبَلَ مُحَمَّدٌ، لأَنَّ (أَقْبَلَ) مُتَصَرِّفٌ».
  اعلم أن الحال من حقها أن تكون بجنب ذي الحالِ مُلاصِقَةٌ له، كما أنَّ المفعول به من حقه أن يكون بعد الفاعل، إلا أن الفعل لما كان يعمل مُقَدَّما ومُؤَخَّرًا ومُتَوَسِّطًا لقُوَّتِهِ على العمل قُدِّمَتِ الحالُ، والنِّيَّة / بها التَّأخير، كما قدموا المفعول به والنِّيَّةُ به التأخير. هذا مذهَبُ البَصْريين. والكوفيون(٢) لا يُقَدِّمُونَ الحال في أول الكلام؛ لأنَّ فيها ذكراً من الاسم، فإن كانت لمكني(٣) جاز تقديمها عندهم. والكسائي يقولُ(٤): هي منصوبةٌ على القطع ومعنى القطعُ:
(١) في (مل) زيادة: (وتأخيرها).
(٢) انظر الإنصاف المسألة رقم (٣١): ١/ ٢٥٠ والتبيين: المسألة رقم (٦٢) ص ٣٢١.
(٣) المكني في اصطلاح الكوفيين يقابل المضمر في اصطلاح البصريين.
(٤) انظر المصطلح النحوي: ١٧٠. نسب المؤلف ذلك إلى الفراء، ولم يذكر أن الفراء أخذه عن الكسائي.