باب العطف وهو النسق
  أعلم أن الياء في (كَلَّمَني) هي الاسم المضمر والنون زائدة، وإنما زادوها؛ لأنّ ياء المضاف إلى النفس يُكسر أبداً ما قبلها كقولك (صاحبي) و (غُلامي) ألا ترى أن الياء كَسَرَتِ الباء والميم من (الصاحب) و (الغُلام)، ولما دخلت هذه الياء على الفعل، والفعل لا يدخل عليه كسر؛ لأن الكسر كالجر، وقد مضى أنه لا يدخله جرّ بحال، زادوا نونا قبل الياء تقع الكسرة عليها وسموها نون الوقاية؛ لأنها تقي الفعل أن يقع عليه كسر فهذا حكم الأفعال الصحيحة.
  فأما ما سكن آخره من الأفعال المعتلة نحو (دعا، وقضى، ورمى) وأشباه ذلك فزادوا أيضًا فيها نونا؛ لتكون الأفعال كلّها على نمط واحد صحيحها ومعتلها، وإنْ كان بعضها آخره يكون ساكناً، وبعضها آخره يكون متحركًا. وأيضا فإن هذه النون لما زيدت في الأفعال الصحيحة، لتسلم حركتها صارت كأنها هي والياء ضمير المفعول فجرت مجرى واحداً في سائر الأفعال. وقد زيدت هذه النون أيضًا في (إنّ) وأخواتها لما أشبهن الأفعال، تقول(١): (إِنَّني) و (كأنني) و (ليتني) و (لعلني) و (لكنني)، قال الشاعر(٢):
  ١٠٩ - فَلَعَلَّني ألقى الردى فَيُريحني ... عَمَّا قَليل مِنْ جَوَى البُرْحاءِ
  وقد يحذفون النون الزائدة من (إنَّني، وكَأَنَّني، ولكنني) تخفيفا لاجتماع النونات(٣)، ويحذفونها أيضا من (لَعَلَّني)؛ لأنّ اللام قريبة(٤) من النون؛ ولقربها منها لا يدغم في النون غير اللام من بين الحروف.
(١) في (ع): (فتقول).
(٢) البحتري.
١٠٩ - البيت من الكامل. وهو في ديوانه: ١/ ٦، وعبث الوليد: ٢٠.
(٣) في الأصل: (النون)، وهو وهم، والتصويب من (ع).
(٤) في الأصل: (قربته)، وهو تصحيف، والتصويب من (ع).