البيان في شرح اللمع لابن جني،

عمر الكوفي أبو البركات (المتوفى: 539 هـ)

باب التعجب

صفحة 458 - الجزء 1

  قولك: أعجبني ما صنعت، أي: صَنيعُكَ. والتعجب مُتَعَرِّ من هذه الوجوه، فعلم أنها اسم. وإذا كانت اسما / فلا تخلو أن تكون موصولة أو تامة، ولا تصح أن تكون موصولة؛ لأن الموصول والموصوف متخصصان⁣(⁣١) بالصلة والصفة، ولفظ التعجب من حقه أن يكون مُبْهَما؛ ليدلّ على التكثير؛ لأن التعجب إِنما يقع فيما يُسْتَعْظَمُ ويكبر⁣(⁣٢) وينذر في بابه. ولا يتعجب مِمَّنْ تُساوي حاله حال غيره، ولا ممن زاد قليلاً، فعُلِمَ بذلك أنّ (ما) اسم مبهم تام بمنزلة قولنا: شَيء، وقد جاءَتْ كذلك في قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ}⁣(⁣٣) (⁣٤) فـ (ما): اسم تام تقديره - والله أعلم - فَنِعْمَ الفِعْلُ، وكذلك قولهم: غَسَلْتُهُ غَسْلاً نَعما، تقديره: نِعْمَ الغَسْلُ. وكان (الأَخْفَشُ) يقول⁣(⁣٥): إن (ما) اسم موصول، وما بعده صلته وخبره محذوف. وقد مضى فساد قوله⁣(⁣٦).

  فأما (أَحْسَنَ) فإنّه فعل ماض غير متصرف وإنما لم يتصرف؛ لأنّه لَمّا ضُمَّ إليه معنى التعجب أشبه الحروف المتضمنة المعاني فَجَمدَ لذلك. وفيه ضمير راجع إلى (ما)، وذلك الضمير مرفوع بأنّه فاعل و (زيد) منصوب بأنه مفعول به، فيكون تقدير الكلام: شَيْءٌ أَحْسَنَ زَيْداً. فإن قال قائل: فنحن نقول: ما أَعْظَمَ الله، ولا يجوز أن يقال: شَيْءٌ عَظَمَ اللهَ. قيل له: عن ذلك أجوبة، منها أن يقال:


(١) في (ع): (يتخصصان).

(٢) في الأصل: (يكثر) بالثاء، وهو تصحيف، والتصويب من (ع).

(٣) البقرة: (٢٧١).

(٤) (نعما) بكسر النون وسكون العين وهي قراءة أبي عمرو ونافع في غير رواية ورش وعاصم في رواية أبي بكر والمفضل. انظر السبعة: ١٩٠. وانظر ما قاله صاحب النشر: ٢/ ٢٣٥ - ٢٣٦.

(٥) نُسب للأخفش في هذا قولان الأول موافق لقول سيبويه ولم يذكره الشارح. والثاني الذي ذكره. انظر شرح الكافية للرضي: ٢/ ٣٠٩ - ٣١٠، وشرح المفصل: ٧/ ١٤٩.

(٦) وذلك عند قول الشارح: (ولا تصح أن تكون موصولة ...).