باب حبذا
  والمثنى والمجموع، ولا يتغير (ذا)؛ لأن الأمثال لا تغير عن الوجه الذي خرجت عليه ألا ترى أن قولهم: «والصَّيْف ضَيَّعْتِ اللَّبَنَ»(١) مَثَل(٢) تُخاطب به المرأة، ثمّ إذا خُوطب به الرّجل لم يُغَيَّر عن وجهه، فلا تُفْتَحُ التّاء من (ضيعت) لمكان التذكير، وكذلك إن خاطبت به جماعة(٣) لم تقل: ضَيَّعْتُمْ(٤) ولا: ضَيَّعْتُما(٥)، وإِنما تقول: ضيعت بكسر التاء، فكذلك في (حَبَّذا) لما كان مبنيا مع (ذا) وهو خطاب الواحد المذكر لم يغير عن بنائه. وأيضا فإنّ (ذا) فيه شياع، فكأنه لا يقع على شيء بعينه. وأيضاً فإنّ ما بعده يُنْبِئ(٦) عن المراد بالمدح، وإنما يكون كذلك مادام (ذا) مع (حَبَّ) فإن أفردت (ذا) عن (حَبَّ) لم يَجُز فيه ذلك، ألا ترى أنا لو أفردنا (ذا) عن (حَبَّ) لما جاز أن يُخاطب به المؤنّث، ولا الاثنان، ولا الجماعة.
  فأما من ضم الحاء من (حَبُّ) فقال: (حُبُّ)؛ فلانه لما سكن الباء الأولى نقل ضمتها إلى الحاء، كما قالوا: عُظْمَ البَطْنُ بَطْنُكَ. وإنّما يستعملون النقل(٧) مع التخفيف في المدح خاصة. والله أعلم بالصواب.
(١) الأمثال لابن سلام: ٢٤٧، وجمهرة الأمثال للعسكري: ١/ ٥٧٥، ومجمع الأمثال: ٢/ ٦٨، والمستقصى: ١/ ٣٢٩، وفصل المقال: ٣٥٧، واللسان: (صيف). والمثل يقال لمن فرط في شيء ثم عاد يطلبه.
(٢) في (ع): (هذا مثل).
(٣) في الأصل: (إن خاطبَ جَمَاعَةٌ ...)، وما أثبته من (ع)، وهو أولى لقوله بعد ذلك: (لم تقل).
(٤) في الأصل: (ضيعهم) وهو وهم، والتصويب من (ع).
(٥) في (ع): (لا تقول: الصيف ضيعتم اللبن ولا ضيعتها).
(٦) في الأصل: (بينى) وهو تحريف، والتصويب من (ع).
(٧) في (ع): (الثقل) بالثاء، وهو تصحيف.