[سابعا: حديث حليمة وما رأت في اليقظة والمنام]
  وكنت أطوف البراري(١) والجبال أطلب النبات وحشيش الأرض فكنت أقتنع وأصبر، فبينا أنا كذلك وقد خرجت إلى بطحان مكة جعلت لا أمر على شيء من الحشيش والنبات إلّا استطال لي فأقمت أياما، فبينا أنا ذات ليلة راقدة إذ أتاني آت في المنام فحملني فقذف بي في نهر من ماء أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، وأذكى من الزعفران.
  فقال: أكثري من شربه ليكثر لبنك، فشربت.
  فقال: ازدادي.
  فازددت فرويت.
  فانتبهت من المنام وأنا أحفل نساء بني سعد(٢) لا أطيق، «أن»(٣) أقل ثديي كأنه الجرّ العظيم، ومن حولي من رجال بني سعد ونسائهم بطونهم لاصقة بالظهور وألوانهم متغيّرة.
  ثم صعدنا يوما إلى بطحاء مكة نطلب النبات كعادتنا، فسمعنا مناديا ينادي: إن الله تبارك وتعالى ليخرج مولودا من قريش هذه السنة هو شمس النهار وقمر الليل، طوبى لثدي أرضعته ألا فبادرن إليه يا نساء بني سعد.
  قالت: وعزم الناس على الخروج(٤) إلى مكة فخرجت على أتان لي تمشى على المجهود منا، فكنت لا أمر بشيء إلّا استطال لي، ونوديت: هنيئا لك يا حليمة.
  فبينا أنا كذلك إذ برز إليّ من الشعب «من بين الجبلين»(٥) من الشعب رجل كالنخلة
(١) في (ب): أطوف البراري والقفار.
(٢) أي: بنو سعد بن بكر: بطن من هوازن من قيس بن غيلان، من العدنانية، وهم: بنو سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن غيلان، وهم حضنة النبي ÷ من أوديتهم: قرن الجبال، وهو واد يجيء من السراة، وشهر ناس منهم يوم جبلة، وبعث بنو سعد سنة (٩ هـ)، ضمام بن ثعلبة وافدا على رسول الله ÷ ليجيب عما أرسل به المصطفى لهم، ويتبصر بما جاء به ÷، وبعثت إليهم سرية على رأسها علي بن أبي طالب. انظر: معجم القبائل (٢/ ٥١٣ - ٥١٤).
(٣) ساقط في (أ، د).
(٤) نهاية صفحة [١٨ - أ].
(٥) ساقط في (ب).