المصابيح في سيرة الرسول وآل البيت،

أبو العباس أحمد الحسني (المتوفى: 366 هـ)

[ثالثا: صفة مجلسه ÷]

صفحة 158 - الجزء 1

[ثالثا: صفة مجلسه ÷]

  قال: فسألته⁣(⁣١) عن مجلسه؟

  فقال: كان رسول الله لا يجلس ولا يقوم إلّا عن ذكر، لا يوطن الأماكن⁣(⁣٢)، وينهى عن إيطانها، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي المجلس، ويأمر بذلك، ويعطي كل جلسائه نصيبه، ولا يحسب أن أحدا أكرم عليه من جلسائه منه، من جالسه أو أقامه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف، ومن سأله حاجة لم ينصرف إلّا بها أو بميسور من القول، قد وسع الناس منه قسطه وخلقه، فصار لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء، مجلسه مجلس حكم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا يؤبن فيه الحرم⁣(⁣٣) ولا تثنى فلتاته، متعادلين يتفاضلون بالتقوى، متواضعين، يوقرون فيه الكبير، ويرحمون فيه الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة، ويحفظون الغريب.

[رابعا: صفة سيرته ÷]

  قال: قلت: كيف كانت سيرته في جلسائه؟

  فقال: كان رسول الله ÷ دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخّاب⁣(⁣٤) ولا فحّاش ولا غياب ولا مزّاح، يتغافل عما يشتهي، فلا يؤيس منه ولا يجيب فيه، قد منع نفسه من ثلاث: من المراء، والإكثار، وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحدا ولا يعيّره، ولا يطلب عثراته.


(١) نهاية الصفحة [٥٣ - أ].

(٢) أي لا يتخذ لمصلاه موضعا معلوما وقد ورد نهيه عن هذا مفسرا في غير هذا الخير.

(٣) قوله: لا يؤبن فيه الحرم، أي: لا يذكرون عنده بسوء. ولا تثنى فلتاته أي: لا يتحدث بها أي لم تكن منه فلتة وإن كانت من أحد سترت.

(٤) الصخاب: كثير الصياح، ووردت في دلائل النبوة للبيهقي «سخاب»، وصخب في البيت فهو صخب هو اختلاط الأصوات، وقد صخب فلان يصخب فهو صخب وصاخب ونقول: ما هو صاحب إنما هو صاخب، ينظر: أساس البلاغة للزمخشري، مادة: صخب.