المصابيح في سيرة الرسول وآل البيت،

أبو العباس أحمد الحسني (المتوفى: 366 هـ)

افتراق الأمة

صفحة 13 - الجزء 1

  يَخْرُصُونَ ٢٠ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ ٢١ بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ}⁣[الزخرف: ٢٠ - ٢٢].

  واعلم أن الله لم يرتض لعباده كما علمت إلا دينا قويما، وصراطا مستقيما، وسبيلا واحدا وطريقا قاسطا، وكفى بقوله ø: {وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}⁣[الأنعام: ١٥٣]، ونهى أشد النهي عن التفرق بهذه الآية، وأمثالها من الكتاب العزيز، وعن القول عليه سبحانه بغير علم، والجدال بالباطل، قال ذو الجلال: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}⁣[الشورى: ١٣].

افتراق الأمة

  هذا وقد وقع علم قطعا وقوع الافتراق في الدين، وأحاديث افتراق الأمة يصدقها الواقع، وقد قال تعالى: {وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ ١١٨ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ}⁣[هود: ١١٨ - ١١٩] قال نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم À في تفسيره: قال الله: {مُخْتَلِفِينَ} لأن الاختلاف لا يزال أبدا بين المحقين والمبطلين، وهو حبر من الله تعالى عما يكون، وأنهم لن يزالوا مختلفين فيما يستأنفون، فالاختلاف منهم وفيهم، ولذلك نسبه الله إليهم.

  وقوله: {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ}: يريد المؤمنين فإنهم في دينهم متآلفون غير مختلفين، وقوله تبارك وتعالى: {وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ} يقول سبحانه: للمكنة مما يجب به الثواب والعقاب من السيئة والحسنة، ولو لا خلقه لهم كذلك وعلى ما فطرهم من ذلك لما اختلفوا في شيء، ولما نزل عليهم أمر ولا نهي، ولما كان فيهم مسيء، ولا محسن، ولا كافر، ولا مؤمن ... إلخ.

  وكلام حفيده الهادي إلى الحق مثل كلامه @، وبمعنى ما ذكراه فسر الآية صاحب الكشاف، وقد قابلت عباراته في تفسيره للآيات فوجدته كثير الملاءمة لكلام من سبقه من الأئمة $، لا سيما في تخريج الآيات القرآنية على المعاني البيانية، وأصل ذلك أنه