المصابيح في سيرة الرسول وآل البيت،

أبو العباس أحمد الحسني (المتوفى: 366 هـ)

[بين عبد الرحمن بن عوف والزبير وعثمان]

صفحة 288 - الجزء 1

  من هذه الأحاديث، وكتب إلى عثمان، فكتب إليه أن احمله على ناب صعبة واجعل وطأه قتبا، فلم يقلع أبو ذر عن عيبه، فقال معاوية: ألم أنهك فأبيت؟ قد خرفت وذهب عقلك.

  فقال: قد بقي معي من عقلي ما أشهد على رسول الله أنه حدثني أن أحدنا يموت كافرا، إما أنا وإما أنت يا معاوية⁣(⁣١).

  فارتحل أبو ذر حتى قدم المدينة، وقد سقط لحم أليتيه⁣(⁣٢) وفخذيه، ومرض مرضا شديدا، وبلغ عثمان فحجبه عشرين ليلة⁣(⁣٣)، فلما دخل عليه قال⁣(⁣٤):

  لا أنعم الله بعمرو عينا ... تحية السخط إذا التقينا

  فقال أبو ذر: ما سماني الله عمرا ولا أبي ولا أمي، وإني لعلى العهد الذي فارقت عليه رسول الله ما غيرت ولا بدلت، فقال عثمان: يا غلام ناد لي قريشا، فلما دخلوا عليه قال: دعوتكم لهذا الشيخ الذي كذب على نبينا، وفارق ديننا وضغن المسلمين علينا، إني رأيت أن أقتله وأصلبه وأنفيه، فقال بعضهم: رأينا لرأيك تبع، وقال بعضهم: صاحب رسول الله وشيخ من المسلمين العفو عنه أفضل.

  وجاء علي # قال: تنزلونه منزلة مؤمن آل فرعون فإن {يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ}⁣[غافر: ٢٨].

  قال عثمان: بفيك التراب وسيكون به⁣(⁣٥)، وقال عثمان: قوموا، وأمر مناديه فنادى في


(١) انظر: شرح النهج (٨/ ٢٥٧) وما بعدها.

(٢) في شرح نهج البلاغة (وقد سقط لحم فخذيه من الجهد) شرح النهج (٨/ ٢٥٨).

(٣) نهاية الصفحة [١٣٥ - أ].

(٤) في رواية الواقدي أن أبا ذر لما دخل على عثمان قال: له:

لا أنعم الله بقين عينا ... نعم ولا لقاه يوما زينا

تحية السخط إذا التقينا

شرح النهج (٨/ ٢٥٨).

(٥) في شرح النهج: (فأجابه عثمان بجواب غليظ وأجابه علي # بمثله، ولم نذكر الجوابين تذمما منهما). شرح النهج (٨/ ٢٥٩).