المصابيح في سيرة الرسول وآل البيت،

أبو العباس أحمد الحسني (المتوفى: 366 هـ)

[وصف ضرار لأمير المؤمنين #]

صفحة 329 - الجزء 1

  العلم من جوانبه، وينطق الحكم من نواجذه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحدته، وكان والله غزير العبرة، طويل الفكرة، يقلب كفه، ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما جشب، كان فينا كأحدنا، يجيبنا⁣(⁣١) إذا سألناه، ويبدؤنا إذا أتيناه، ونحن والله مع تقربنا وقربه منا لا نكلمه لهيبته، ولا نبدؤه لعظمته، فإن⁣(⁣٢) تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، وقد مثل في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، فكأني لأسمعه وهو يقول: يا دنيا إليّ تعرضت أم إليّ تشوقت، هيهات هيهات غرّي غيري، لا حان حينك، قد أتتك ثلاثا لا رجعة لي فيك ... !، فعمرك قصير، وغشك كثير، وخطرك كبير، آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق.

  فوكفت دموع معاوية ما يملكها على لحيته، وهو ينشفها بكمه، وقد اختنق القوم بالبكاء، ثم قال: رحم الله أبا حسن، كان والله كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟

  قال: حزني والله حزن من ذبح واحدها في حجرها، فلم ترق عبرتها، ولم تسكن حرارتها ثم خرج⁣(⁣٣).


(١) نهاية الصفحة [١٦٩ - أ].

(٢) في (ب، ج): فإذا.

(٣) وصف ضرار لأمير المؤمنين # أورده ابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمة أمير المؤمنين (٣/ ٢٠٩)، المرشد بالله في الأمالي الخميسية (١/ ١٤٢)، كما رواه ابن أبي الدنيا في عنوان (ندب علي ومراثيه) الحديث (٩٢)، من كتابه: مقتل علي #، كما أخرجه الكوفي في المناقب حديث (٥٤٠)، وذكر اسم ضرار هكذا: ضرار بن عمرو، ولحديث ضرار مصادر وأسانيد كثيرة جدا وهو حديث متواتر ويجد الطالب بعض أسانيد هذا الحديث في نهج السعادة (٣/ ٨٧ ط (١) قال: السيد المحمودي: وفي السيد الرضا في المختار (٧٧) من الباب الثالث من نهج البلاغة كما ذكره أيضا الشيخ منتجب الدين في الحكاية السادسة من خاتمة أربعينه، كما رواه أيضا الأصفهاني في الحلية في ترجمة أمير المؤمنين وابن الصباغ المالكي، في الفصول المهمة، ومحمد بن طلحة الشافعي في مطالب السئول.