[طوافه الأقطار وموقف هارون منه]
[طوافه الأقطار وموقف هارون منه]
  وصار يحيى بن عبد الله بنفسه(١) إلى اليمن وأقام بها مدة(٢)، ثم صار إلى مصر وأرض المغرب(٣)، ونواحيها، فاشتد له الطلب من موسى أطبق، ومات موسى سنة إحدى وسبعين ومائة، واستخلف هارون بن محمد أخوه، وهو شر منه فأنفذ في طلب يحيى بن عبد الله ودس إليه الرجال وبذل لهم الأموال، وانصرف يحيى بن عبد الله إلى العراق، ودخل بغداد، وعلم به هارون فأخذ عليه الطرق والمراصد وفتش المنازل والقصور والأسواق والسكك «المحلات»(٤) بجميع بغداد فنجا منه.
  وخرج إلى الري فأقام بها شهرا وزيادة ثم صار إلى خراسان، ثم صار إلى ناحية جوزجان وبلخ فاشتد به الطلب من هارون، وكان صاحب خراسان حينئذ هرثمة بن أعين قريبا من ثلاث سنين.
  وصار يحيى إلى وراء النهر(٥)، ووردت كتب هارون إلى صاحب خراسان يطلبه.
  فصار إلى خاقان(٦) ملك الترك ومعه من شيعته وأوليائه ودعاته من أهل المدينة والبصرة والكوفة وأهل خراسان مقدار مائة وسبعين رجلا، فأكرمه خاقان ملك الترك وأنزله أفضل منازله، وقال له: مماليكي كلها لك وأنا بين يديك، وأوسع عليه وعلى أصحابه من الخيرات
(١) نهاية الصفحة [٢٨٨ - أ].
(٢) يذكر أحمد بن سهل الرازي في كتابه (أخبار فخ) أنه دخل اليمن مرتين، مرة بعد هروبه من بغداد متخفيا، وأنه أقام في المرة الثانية ثمانية أشهر، وأن الإمام الشافعي لقيه ودرس عليه، أخبار فخ ص (١٩٠، ١٩٤).
(٣) المغرب: يطلق آنذاك على شمال إفريقيا الشامل ليبيا وتونس والجزائر ومراكش.
(٤) ورد في الأصل: المحال، وقصد المؤلف به: جمع محل.
(٥) ما وراء النهر من بلاد فارس والجيل والديلم.
(٦) ملك الترك، وهو: خاقان ملك الخزر، والخزر: لقب من ملوك الصين وتركستان قديما، وكان يطلق على ملوك آخرين أيضا، والخزر: قوم كانوا يقيمون على شواطئ بحر الخزر وشمال جبال قفقاز، انظر: الإعجاز والإيجاز للثعالبي ص (٣٦)، والروض المعطار ص (٢١٩).