المصابيح في سيرة الرسول وآل البيت،

أبو العباس أحمد الحسني (المتوفى: 366 هـ)

[نص رسالته لأهل مصر وخروجه في المغرب]

صفحة 508 - الجزء 1

  بأمر الله وأثبت حجته، وأظهر دعوته، وإن الله جل ثناؤه خصنا بولادته وجعل فينا ميراثه ووعده فينا وعدا سيفي له به، فقبضه⁣(⁣١) الله إليه محمودا لا حجة لأحد على الله ولا على رسوله ÷: {فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ}⁣[الأنعام: ١٤٩]، فخلّفه الله جل ثناؤه فينا بأحسن الخلافة، غذانا بنعمته صغارا، وأكرمنا بطاعته كبارا، وجعلنا الدعاة إلى العدل، القائمين⁣(⁣٢) بالقسط المجانبين للظلم، ولم نمل مذ وقع الجور طرفة عين من نصحنا لأمتنا، والدعاء إلى سبيل ربنا جل ثناؤه، فكان مما خلفته أمته فينا أن سفكوا دماءنا، وانتهكوا حرمتنا، وأيتموا صغيرنا، وقتلوا كبيرنا، وأثكلوا نساءنا، وحملونا على الخشب، وتهادوا رءوسنا على الأطباق، فلم نكل ولم نضعف، بل نرى ذلك تحفة من ربنا «جل ثناؤه»⁣(⁣٣)، وكرامة أكرمنا بها، فمضت بذلك الدهور، واشتملت عليه الأمور، وربى منا عليه الصغير، وهرم عليه الكبير، حتى ملك الزنديق أبو الدوانيق، وقد قال رسول الله: «ويل لقريش من زنديقها، يحدث أحداثا يغير دينها، ويهتك ستورها، ويهدم قصورها، ويذهب سرورها»⁣(⁣٤).

  فسام أمتنا الخسف، ومنعهم النصف⁣(⁣٥)، وألبسهم الذل، وأشعرهم الفقر، وأخذ أبي عبد الله بن الحسن شيخ المسلمين وزين المؤمنين وابن سيد النبيين ÷ في بضعة عشر رجلا من أهل بيتي وأعمامي À ورحمته وبركاته: منهم علي بن الحسن بن


(١) نهاية الصفحة [٣٠٢ - أ].

(٢) في (أ، د): العاملين.

(٣) ساقط في (ب).

(٤) الحديث: أخرجه ابن عساكر في تاريخه، والمتقي الهندي في منتخب كنز العمال عن أبي هريرة من حديث طويل، ولفظ الحديث للفائدة «ويل للعرب من هرج قد اقترب الأجيجة، وما الأجيجة، الويل الطويل في الأجيجة ويل للعرب من بعد الخمس والعشرين والمائة من القتل الذريع والموت السريع والجوع الفظيع، ويسلط عليهم البلاء بذنوبها فتكثر صدورها ويهتك ستورها ويغير سرورها فبذنوبها تنزع أوتادها وتقطع أطنابها وتبختر قراؤها، ويل لقريش من زنديقها يحدث إحداثا يهتك ستورها وينزع هيبتها، ويهدم عليها جدورها حتى تقوم النائحات الباكيات، الباكية تبكي على دينها، وباكية تبكي من ذلها بعد عزها، وباكية تبكي من استحلال فرجها، وباكية تبكي شوقا إلى قبورها، وباكية تبكي من جوع أولادها، وباكية تبكي من انقلاب جنودها عليها»، منتخب كنز العمال (٥/ ٤٥٧).

(٥) النصف: العدل، والاسم: النّصف والنصفة، القاموس ص (١١٠٧) مادة (نصف).