المصابيح في سيرة الرسول وآل البيت،

أبو العباس أحمد الحسني (المتوفى: 366 هـ)

[أبو السرايا ومواقفه مع صاحب الترجمة]

صفحة 526 - الجزء 1

  فتبعته إلى دار العباس فلما انتهينا إلى الخندق صاح بالناس فعبروه «وتطاعنوا»⁣(⁣١) بالرماح ساعة، ورماهم النشابة من فوق الدار حتى قتلوا رجلا من أهل الكوفة، ثم إن الموالي انهزموا وظفر أبو السرايا⁣(⁣٢) بالدار فأمر الناس بانتهاب ما فيها، وخرج النساء متلدمات⁣(⁣٣)، واستبطن الفضل بطن الخندق هاربا في ستة فوارس، حتى أخذ على قرية أبي حمار، ثم خرج إلى شاطئ الفرات فعبر إلى الفرات، وركب وجهة إلى بغداد.

  عن نصر بن مزاحم لما نزل زهير وأصحابه، وهو على برذون أدهيم⁣(⁣٤) وعليه قباء ملجم بسواد⁣(⁣٥).

  فقال: يا أبا السرايا علاما نكثت الطاعة، وفرقت الجماعة، وهربت من الأمن إلى الخوف، ومن العز إلى الذل، أما والله لكأني بك قد أسلمك من غرّك، وخذلك من استفزك، وصرت كالأشقر إن تقدمت نحرت، وإن تأخرت عقرت، وإن طلبت دنيا فالدنيا عندنا، وإن التمست الآخرة فباب الآخرة التمسك بطاعتنا الأمان قبل العثار، والتقدم قبل التندم.

  فقال له أبو السرايا: يا أبا الأزهر، الكلام يطول، والاحتجاج يكثر، وقد أعطيت الله عهدا أن لا أراجع⁣(⁣٦) لابس سواد بسلم، ولا أنزع له عن منكر، فإن رأيت أن تنزع سوادك وتحاورني فافعل.

  قال: فولى زهير وجهه إلى أصحابه، فابتدره الخدم ينزعون سواده فكبر أبو السرايا، ثم


(١) ورد في الأصل: اطعنوا.

(٢) نهاية الصفحة [٣١٨ - أ].

(٣) لدم لدما: ضربه بشيء ثقيل يسمع وقعة، وتلدمت النساء: ضربن وجوههن في المآثم، المعجم الوسيط: مادة (لدم).

(٤) برذون أدهيم: البرذون يطلق على غير العربي من الخيل والبغال من الفصيلة الخيلية، عظم الخلقة، غليظ الأعضاء، قوي الأرجل، عظيم الحوافر، المعجم الوسيط مادة: (برذن). وأدهيم: الدهم الفرس الأسود، والدهيم الأحمق.

(٥) قباء: القباء ثوب يلبس فوق الثياب أو القميص ويتمنطق عليه، والقباء: قباء القوس من مقبض القوس إلى طرفها أي نصفها، يقال: بينها قباء قوسين: طول قوس، المعجم الوسيط مادة: (قباه).

(٦) في (ب، ج): أرجع.