المصابيح في سيرة الرسول وآل البيت،

أبو العباس أحمد الحسني (المتوفى: 366 هـ)

[علمه وزهده وفضله]

صفحة 581 - الجزء 1

  عنق فرسه، فأفرجوا له حتى توسط جمعهم فاعتورته الرماح وأخذته السيوف، فخرج من بينهم وقد أصابته جراحات، ثم عطف عليهم وحده، فاستقبله رئيس القوم مبارزا له حنقا عليه فضربه بسيفه، ضربة على عاتقه، وعليه الدرع فقده حتى وصل السيف إلى حشوة بطنه فخر ميتا، وثابت إليه جماعة من أصحابه لما عاينوا ثباته ومقاومته وحده مع ذلك الجمع الكثير، وثبتوا معه فمنحه الله أكتاف عدوه⁣(⁣١) فانهزموا ما بين قتيل وأسير.

  وبلغني أنه ¥ قال بعد ذلك: لما ضربت رئيس القوم تلك الضربة رفعت سيفي عنه لأضربه فوجدت ريح الضربة، فعلمت أن الله قد قتله وقويت بذلك منتي⁣(⁣٢) وأفرغ الله علي الصبر «وأيدني بالنصر»⁣(⁣٣) وانهزم العدو، وله ¥ سوى ما ذكرت مواقف كريمة ووقائع في أعداء الله مشهورة لا تحصى كثرة.

  وبلغني أنه كان يضرب بسيفه عنق البعير البازل الغليظ فيبينه عن⁣(⁣٤) جسده، وكان يأخذ⁣(⁣٥) قوائم البعير المسن القوي فلا يقدر البعير وإن جهد على النهوض.

[علمه وزهده وفضله]

  وكان مع هذا مجتهدا عابدا يصوم أكثر أيامه، ويحيي أكثر ليله «تهجدا وصلاة»⁣(⁣٦)، ويتجزى بالقليل من الطعام، قد شرى نفسه لله وهان عليه ما يلقى من المحن والأهوال، ويقاسي من الشدائد من مخالفة أهل اليمن له مرة بعد أخرى، وثانية بعد أولى، ونقضهم العهود المؤكدة، والمواثيق المغلظة، ونكثهم الأيمان بعد توكيدها، وخروجهم من طاعته، ومحاربتهم له ومعاونتهم أعداءه عليه، وتقويتهم إياهم بالأموال سرا وإعلانا، لم يقاس أحد من الأئمة رضوان الله عليهم بعد محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن مثله.


(١) في (أ): أكتافهم.

(٢) المنّة بالضم ويعني بها القوة، يقال: ليس لقلبه منة، والجمع منن، انظر المعجم الوسيط مادة: (من).

(٣) ساقط في (أ).

(٤) في (أ، د): من.

(٥) نهاية الصفحة [٣٦٤ - أ].

(٦) ساقط في (أ).