المصابيح في سيرة الرسول وآل البيت،

أبو العباس أحمد الحسني (المتوفى: 366 هـ)

[وصية والده]

صفحة 591 - الجزء 1

  أيديهم وقت وفاته، وفتّ في أعضادهم وذهلت عقولهم، وخافوا على نفوسهم وأهاليهم وأولادهم الهلكة⁣(⁣١) من غلبة القرامطة، وأهل البدع في استيلائهم على بلادهم، وألحوا على المرتضى في أخذ بيعتهم، وانثالوا عليه من كل فج عميق، وقالوا له: لا يسعك خذلاننا ولا يجوز بينك وبين ربك التقاعد عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدفع عن المظلومين، ونحن أجنادك وأولياؤك على الحق، نفديك بأنفسنا ونواسيك بأموالنا حتى تقيم كتاب الله، وتحكم بسنة رسول الله وتحيي ما أماته الفاسقون من شرائع دينه، فدافعهم المرتضى أحسن دفع وخاطبهم بأجمل المخاطبة، وعاتبهم أبلغ المعاتبة على ما كان من تفريطهم وتقصيرهم في معاونة الهادي⁣(⁣٢) ¥ على الحق ونصرته على أهل الباطل، وامتنع مما دعوه إليه من جميل⁣(⁣٣) ولم يؤيسهم منه إياسا قاطعا.

  وقال لهم فيما كان يخاطبهم به: أنتم معاشر المسلمين على خير، ولم تعدموا إن شاء الله ما تريدونه منا، ولكن لنا عليكم شروط نشترطها، وأمور من الحق نصفها ونبينها لكم، ولا يصلح الدخول في مثل هذا الأمر بالعجلة، ولا يجوز الإقدام عليه بالتعسف، بل نقفكم من الأمر على صحته، ونناظركم على ما يجب علينا وعليكم من فرض الله ø وحكمه فينا وفيكم، ولكم إلينا عودة إن شاء الله.

  فلما أصبح الناس قصدوا بأجمعهم باب المرتضى فكثر جمعهم وامتلأت المحال والأسواق والطرق والمساجد منهم، فخرج إليهم المرتضى # وعليه السكينة والوقار وسيماء الأئمة الأبرار، فلما بصر الناس به ووقعت أعينهم عليه ارتفعت أصواتهم وأجهشوا بالبكاء ودعوا بالويل والثبور، فسكن منهم المرتضى فلما سكتوا وسكنت⁣(⁣٤) أصواتهم، قال: جزاكم الله من أهل محبة وولاية خيرا، ونعم الإمام كان لكم الهادي ¥ الناصح لكم


(١) في (أ، د): المهلكة.

(٢) نهاية الصفحة [٣٦٩ - أ].

(٣) في (ب، ج، د): مما دعوه إليه على جميل.

(٤) في (أ): سكتت.