باب التثنية
  فإن قال: أفتقولون: إِنَّ في هذه الحروف حركة مقدرة كما تقدر على ألف (عصا) وألف (حُبلى) أم ليس فيها حركة مقدرة؟
  قيل له: للنحويين في ذلك جوابان:
  أحدهما: أن الحركة مقدرةٌ مَنْوِيَّةٌ؛ لأنَّ الحروف لَمّا دلت على تمام معنـ الكلمة في ذاتها وأشْبَهنَ الف (حُبلى) و (عصا) أُجرين مجراها.
  والجواب الآخر: أنَّه ليس فيهنَّ حركة من أجل أن المعرب إذا وقف عليه سقطت حركته، نحو: ضَرَبَ زَيْد، وكذلك النّون في (تفعلان) و (يفعلان)(١) و (تفعلون) و (تفعلين)(٢) تذهب للجزم والنصب، وهي إعراب في حال الرفع، ففي هذا الموضع أحرى أن لا تُقَدِّر. والدليل على صحة ذلك أن النون جعلت عوضا من الحركة والتنوين، ولا يجمع بين العوض والمعوض عنه. وهذا مذهب (سيبويه) والذي يُعْتَمَدُ عليه(٣).
  قال: «فإن أضفت المثنى أسقطت نونه للإضافة تقول: قامَ غُلاما زيد، ومررتُ بغُلامي زيد، ورأيتُ غلامي زيد، وكان الأصل (غُلامانِ) و (غُلامينِ) فسقطت النون للإضافة».
(١) مثل لفعل الاثنين بصيغتي المخاطب والغائب وكان أحدهما يُجْزِئُ كما فعل بفعل الجمع (تفعلون)، والذي أرجحه أن إحداهما مقحمة من بعض النساخ.
(٢) (يفعلون وتفعلين): ساقط من (ع).
(٣) لم يتكلم سيبويه في هذه المسألة والخلاف الذي بينهم مرده إلى اجتهادهم في هذه المسألة، ثم ادعى كُلِّ منهم أن ما وصل إليه من رأي هو مذهب سيبويه.
فأصحاب الرأي الأول وهم جمهور النحاة قاسوا هذه الحروف على ما قاله سيبويه في حروف الأسماء الستة، فَخَلَصوا إلى أن فيها حركة منوية. أما أبو علي فإنه قال بما فصَّلَهُ الشارح وادعى أيضاً أنه مذهب سيبويه. انظر التبيين المسألة رقم (٢٢) ص ١٠٢، والمسألة رقم (٢٣) ص ١٠٣، وشرح الكافية للرضي: ١/ ٣٠.