باب الفاعل
  وكذلك يفعلون إذا ذكَّروا المؤنَّث أو أنَّثوا المذكر يقصدون هذه المقاصد، والأصل فيه ما قدمت لك أنَّ كلَّ ما لا يعقل وليس له فرج فتأنيثه وتذكيره سواء، فلا فرق بين قولك: اضطرمَ نارك، وبين وقولك: اضطرمت نارك، إلا أنَّ إلحاق العلامة أحسن الموافقة الوضع. فإذا فصلت بين الفعل وبين الاسم كان ترك العلامة أحسن؛ لأنَّ الفاصل قد قام مقام العلامة فلا يُجمع بينهما، والجمع بينهما جائز؛ لأن الفاصل على الحقيقة ليس بعلامة تأنيث. والدليل على أن حذف العلامة أحسن أنهم قد حذفوا العلامة في التأنيث الحقيقي مع الفصل فمع غير الحقيقي أولى، قال الشاعر:
  إِنَّ امْرَاً غَرَّهُ مِنْكُن واحدة ... ... ... ... (١)
  ولم يقل: (غَرَّتْهُ)؛ لأنَّه أقام (منكنَّ) مقام علامة التَّأنيث لَمّا كان زائداً، كما أنَّ التاء زائدة.
  قال: «ولك في كل جماعة تذكير فعلها وتأنيثه، تقول: قام الرجال، وقامت الرجال، وقام النساء، وقامت النساء /، فمن ذكر أراد الجمع ومن أنت أراد الجماعة».
  اعلم أن كل(٢) جمع مكسر فله جمع وجماعة، فمن أنَّث فعله حمله على الجماعة، ومن ذكر فعله حمله على الجمع، وقد ورد القرآن بهما جميعا، قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ}(٣) وَ (المَلائِكَةُ) لَيْسوا إِنَاثًا؛ لأَنَّ اللَّه تعالى ردَّ ذلك على قائله من أهل الجاهلية(٤)، وإنما التَّقدير - والله أعلم - إِذْ قالت جماعة
(١) تقدم برقم (٢١).
(٢) في الأصل: (لكل)، وما أثبته من (ع).
(٣) آل عمران: (٤٢) و (٤٥).
(٤) ذلك في قوله تعالى: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا ٤٠} الإسراء: (٤٠)، وقوله سبحانه: {أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ ١٥٠} له الصافات: (١٥٠)، وقوله تبارك اسمه: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ١٩} الزخرف: (١٩).