البيان في شرح اللمع لابن جني،

عمر الكوفي أبو البركات (المتوفى: 539 هـ)

باب المفعول الذي جعل الفعل حديثا عنه وهو ما لم يسم فاعله

صفحة 136 - الجزء 1

  فيكون (فرسخان) هو الذي قصدت إلى الإخبار عنه. فإن قال قائل: (الفَرْسَخُ) موضع من الأرض، فكيف جاز أن يتعدى الفعل إليه بلا حرف جر، وقد رأينا الأماكن كلها لا يتعدى إليها الفعل إلا بحرف جر، نحو (الدار) و (المسجد)؟

  قيل [له]⁣(⁣١) لما كان (الفَرْسَخُ) يقع على المكان، ولا يختص به؛ لأنه يصلح وقوعه على كل مكان بتلك المسافة المعلومة فصار تقديراً للمسافة، فجرى مجرى اليوم والليلة الذي جُعِلَ مقداراً لهذا الزمان، فيتعدى الفعل إليه على حد تعديه⁣(⁣٢) إلى الجهات الست⁣(⁣٣).

  واعلم أنه لا يجوز أن يُجْعَلَ الإخبار عن ثلاثة أشياء في هذا الباب أحدها: مفعول الغرض، والثاني: الحال، والثالث: التمييز.

  فأما الغرض فإنَّه لا يصح أن يكون مُخْبَراً عنه؛ لأنَّه جواب (لمه)، و (لمه) إنَّما هو استفهام وما كان استفهاماً لم يكن موجبا، فلَمْ يَكُنْ قائماً مقام الفاعل. وكذلك لا يصح أن يكون الحال؛ لأنَّ الحال مُحتاجة إلى ذي الحال، فذو الحال أولى بهذا الموضع من الحال؛ لأنَّ الحال لا يصح إلا بذي الحال، فلم يقم الحال مقام الفاعل.

  فأَما التَّمْيِيزُ فلآنَّ ما يَعْمَلُ فيه الفعلُ من ذلك في معنى الفاعل، ولا تحتاج أن تقيم ما هو في معنى الفاعل مقام الفاعل.

  قال: «فإن كان هناك مفعول به صحيح لم يقم مقام الفاعل غيره⁣(⁣٤)، تقول: ضَرَبْتُ زَيْداً يومَ الجمعةِ ضَرْبًا شديدًا. فَإِنْ لم تُسَمِّ


(١) زيادة من (ع).

(٢) في (ع): (تعديته).

(٣) في الأصل رُسمت: (السبت).

(٤) في (مل): (لم تقم ... غَيْرَهُ).