باب (كان) وأخواتها
  وقال تعالى: {مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا}(١). وكذلك إذا تقدم خبرها على اسمها رَفَعْتَ أيضًا؛ لأنَّهُ زالَ النَّصْدُ الذي كانت تدخُلُ عليه؛ وذلكَ أَنَّهَا أُعْمَلَتْ عَمَلَها لَما أَشْبَهَتْها من وَجْهَيْنِ، فإذا أشْبَهَتْها من وجه واحد لم تَعْمَلْ كَما قُلْنَا فِي الأسماء التي لا تنصرف. وتُزادُ الباء في خبر (ما)(٢)، كما زيدت في خبر (لَيْسَ)، فتقول: ما زيد بقائم، قال الله تعالى: {وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ}(٣). والقرآن جاءَ بِإِعْمالِ (ما) قال اللهُ تعالى: {مَا هَذَا بَشَرًا}(٤) وقال تعالى: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ}(٥) بكسر التاء(٦). وهذه اللغة العالية، وهي اللغة الحجازية.
  فإن قال قائل: فإذا كانت (ما) أَشْبَهَتْ (لَيْسَ) فَهَلَا أُجْرِيَتْ مَجْراها في العمل فتعمل مُقَدَّمَةً وَمُؤَخِّرَةٌ كَـ (لَيْسَ).
  قيل له: أمّا مَنْ يقولُ: إِنَّ (لَيْسَ) فعل، فلا يلزمُهُ هذا السؤال؛ لأنَّ الحرف لا يساوي الفعل، بل الحرف إذا أشبَهَ الفعل فإِنَّهُ يُعطى بعض أحكامه، ويكون عمله على صفة، كما تقولُ في (إِنَّ) وأخواتها: إنَّها لَما أشبهت الأفعال عملت على رتبة مخصوصة فلا يتقدم خبرها على اسمها، فأما من يقول: إِنَّ (لَيْسَ) حرف(٧) فالجواب عنه: أَنَّ (لَيْسَ) قَوِيَتْ(٨) مُشابَهَتُها للأفعال بدليل اتصال الضمير بها على حد اتصاله بالفعل، فعملت على كل وجه، وليس كذلك (ما)،
(١) يس: (١٥).
(٢) في (ع): (خبرها).
(٣) البقرة: (٩٦).
(٤) يوسف: (٣١).
(٥) المجادلة: (٢). وفي (ع): (أمهاتهن) وهو وهم من الناسخ.
(٦) وهي قراءة الستة، واختلف النقل عن عاصم فقراءة حفص عنه موافقة لقراءة الستة وأما رواية المفضل عنه فبالرفع، ولم يروه عن عاصم غيره. السبعة لابن مجاهد: ٦٢٨.
(٧) انظر ما سلف ص ١٤٣.
(٨) في الأصل (قوي)، وفي (ع): (أقوى) وكلاهما سهو.